ها نحن إذ نعيش أيام ذي الحجة، أحد الأشهر الحرم الأربعة المعروفة، والشهر
الأخير في التقويم الهجري، الذي يشعرك بأن تشريع أداء الركن الخامس من أركان
الإسلام الخمسة، وهو الحج إلى بيت الله الحرام، ما أتى في نهاية العام إلا كما هو منطق الأشياء في الحياة الدنيا، حيث المحاسبة والمراجعة تكون عادة في نهاية
الأوقات ، فكأن الحج فرصة عظيمة للمراجعة والمحاسبة ، وهو كذلك بالفعل - حيث يقوم بها المسلم ، مستعرضاً لشريط حياته
وما مضى من أفعال وأقوال.
لقد ورد الكثير في
عظمة هذا الشهر لاسيما الأيام العشرة الأولى منه، فنجد القرآن الكريم في قوله
تعالى:" والفجر وليال عشر " وفي السنّة الشريفة ما ورد عن النبي الكريم صلى
الله عليه وسلم: " ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن، من
أيام العشر .. فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير..
سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر .. كلمات مستحبات من اليوم حتى العيد .. هي أيام عشر معدودات
فاضلات كما في رمضان، ليال عشر معدودات فاضلات. هي فرصة لتوجيه الأذهان إلى ما بعد
هذه الفانية التي أخذت وما زالت تأخذ الكثير من أوقاتنا وطاقاتنا دونما كثير عوائد
تُرتجى خاصة إن كانت تلك الجهود والأعمال
موجهة للدنيا وما فيها ، دون ربطها بنية صادقة أو هدف أسمى له علاقة ما بالآخرة ،
حيث الحياة الحقيقة الباقية الخالدة .
المرء منا يكد ويتعب
ويشقى طوال العام، بل منذ أن يعي أحدنا الأمور من حوله، لأجل المال والمال فقط ، وما
يرتبط به من زينة وبهجة أو شهرة ووجاهة وغيرها من متع الحياة الدنيا .. هذا الحرص
على المال هو ما دفع ببني آدم للعيش في دوامة من التفكير والقلق والتوتر وكأنما
أحدنا آخذٌ معه ماله كما في الحديث، حين يقول العبد: مالي، مالي .. إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى أو لبس
فأبلى أو أعطى فأقنى ( أي أبقى )، وما سوى ذلك فهو ذاهب ، وتاركه للناس .
أيام عشر فاضلات ومعدودات،
هي فرصة لمضاعفة الأعمال وكسب الحسنات، ما بين قراءة وتدبر للقرآن وقراءة سيرة خير
المرسلين، وفرصة للتخلص من الروح البخيلة الشحيحة واليد القابضة وفتح المجال
واسعاً للروح الكريمة، روح العطاء والسخاء على الفقراء والمساكين وذوي الحاجة،
وتشريف الأعمال بصيام عرفة، وختمها بشعيرة الأضحية، وغيرها من فضائل وكريم الأعمال التي لا تخلو أذهاننا وخيالاتنا
منها .. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سوءا السبيل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق