عنوان اليوم عن المثل
الشعبي المشهور ، ابن الوز عوام ، الذي يُقال للدلالة على تشابه ما قد يظهر بين
الابن وأبيه في مهارات أو صفات وتوجهات معينة ، كأن يكون الأب ماهراً في أمر ما
فيكون المتوقع أن يظهر الابن كذلك ويشبه أباه بحكم قانون الجينات والوراثة ، كالإوز
ما إن يظهر من البيض فسيكون أوزاً ولو تربى مع الدجاج أو غيره ، فهو يملك مهارة
السباحة بحكم الجينات ، فما إن يرمي بنفسه في بحيرة أو بحرا ، إلا وجدته يسبح
بمهارة .. وقس على هذا ، الصفات والتوجهات والأفكار ..
فما
قصة اليوم ؟
في عالم البشر يختلف
الأمر نوعاً ما ، فالجينات والوراثة لا تتحكم بالأمر بالصورة التي عليها عالم
الحيوان، أعزكم الله ، بسبب تميزنا بالعقل، الذي شرف الله بني آدم به عن مخلوقاته
الأخرى .. هذا العقل ، ما إن ينضج ويهتدي ويعرف ويتميز ، فإن العوامل الوراثية
ستكون تحت سيطرته بشكل كبير ، سواء شاء أن يعززها وينميها أو يتخلى عنها ولا يلقي
لها بالا ، والأمثلة من عالم البشر كثيرة ، فليس دوماً ابن الوز سيكون عواماً في
عالم البشر !!
نبي الله نوح عليه السلام
، مكث عمراً طويلاً يدعو الناس إلى الإسلام ، فما آمن معه إلا قليل.. وسيعتقد
البعض أن هذا القليل لابد أن جميع أهله منه ، بحكم أنه نبي وبيته بيت نبوة ورسالة
، فالمنطق أن كل من في هذا البيت بالضرورة سيكونون مسلمين ، باعتبار ما يسمعون من
أبيهم الرسول النبي ويعرفون منه خبر السماء .. لكن يظهر الابن ليخالف الأب ، ليس
في مسألة أو أكثر ، بل خالفه إلى أن مات كافراً وهو ابن نبي !!
أبوطالب
، أكثر من دافع عن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام والى آخر رمق في حياته ، لكنه
مات كافراً ولم يسلم ، في حين أن ابنه علياً هو أحد العشرة المبشرين بالجنة ..
الأب ظل سنوات يسمع من ابن أخيه أحاديث الحق وكان على قناعة بصدق النبي صلى الله
عليه سلم ، لكن عقله في النهاية هداه إلى تغليب اعتبارات العصبية والقومية على
الحق ، فمات كافراً ، في حين أن علياً الصبي ، بمجرد كلمات قليلة وفي زمن قصير ،
هداه عقله إلى الحق والإيمان ، فما سار على درب أبيه وما كان للجينات والوراثة أي
أثر ها هنا ..
قد تجد حولك عالماً فقيهاً بالدين يشار إليه بالبنان ،
ولكن لا أحد من أبنائه سار في درب العلم والفقه ، بل ربما وجدتهم فقراء في هذا
المجال ، وربما أيضاً وجدت أحدهم متذبذباً حتى في أداء صلواته ، وهو ابن عالم
وفقيه ومن بيت علم ودين .. أو قد تجد الأب قمة في العلم الدنيوي، كأن يكون أستاذاً في
الفيزياء أو الكيمياء أو غيرها من العلوم الطبيعية ، لكن قد تجد ابنه لا علاقة له
بتلك المجالات من العلوم لا من قريب أو بعيد ، بل ربما وجدته قد تسرب من الإعدادية
! وعلى ذلك يمكنك التأمل في عالم المحترفين والمبدعين في النجارة أو الزخرفة أو
الرسم أو غيرها من مجالات الإبداع ، لتجد أنه من النادر أن ترى تكراراً للمهارة في العائلة
وبنفس الدقة ، في إشارة إلى أن الأمر ليس بتلك الدقة التي في المثل الذي نتحدث عنه ..
إذن الشاهد من الحديث
ومما سبق من بعض الأمثلة البشرية ، هو أن الإنسان منا عالم قائم بذاته ، وما إن
يصل إلى التمييز والإدراك ، فلا شيء يمكن أن يؤثر عليه إن هو لم يرغب فيه أو يسعى
إليه طواعية وعن حب ورغبة وشغف .. فلا تقل لي : وراثة أو جينات
أو بيئة محيطة أو غير ذلك .. إن الأمر كله كامن في عقل كل واحد منا ، حيث هناك
تدار الأمور بدقة ، وقد تكون للعوامل سابقة الذكر بعض التأثير ، ولكن ليس كل
التأثير ، وربما لبعض الوقت ولكن من المؤكد أنه ليس كل الوقت .. فلا
يحزن ويغتم أحدكم إن لم يتحقق له ما يتمناه في أبنائه ، فإنك لا تهدي من أحببت
ولكن الله يهدي من يشاء ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق