أرادت زوجة عزيز مصر أن
تراود فتاها عن نفسه، وهو في كنف الله سبحانه ورعايته، يتم إعداده وتأهيله ليكون
نبياً من أنبياء الله الكرام بعد حين من الدهر قصير. يأبى يوسف عليه السلام الخضوع
لها ولغريزته ورفض. لكن الخبر بقدرة قادر انتشر في المدينة وصار حديث المجالس،
لاسيما مجالس الطبقة المخملية من النساء، حتى ضاقت زليخة، زوجة العزيز مما يُقال
عنها في تلك المجالس، فدعت مجموعة من تلك النسوة لوليمة أو حفل نسائي مغلق أو
محدود على عدد معين قليل، وجاءت بأطعمة متنوعة، كان لابد من وجود سكاكين للتعامل
معها.
بعد أن اجتمعت أولئك
النسوة الثرثارات، طلبت زوجة العزيز من يوسف - عليه السلام - الخروج عليهن في
المجلس لتقديم واجب الضيافة، وهن منهمكات في تقطيع بعض الأطعمة أمامهن. وما إن دخل
عليهن، انقطعن فجأة عن واقعهن، كما لو أن كل واحدة أخذت حقنة مخدر شبيهة بتلك التي
يتلقاها المريض في غرفة العمليات الجراحية.
تعطلت الأحاسيس والمشاعر عندهن للحظات، لكنها
كانت كافية لتجرح كل واحدة منهن يدها بسكين، فتعود بعدها النسوة إلى عالم الواقع
سريعاً، بعد أن انتهى المشهد بخروج يوسف من المجلس، وهو ربما لا يدري سر الصمت
الذي خيم على المجلس، وذهول النسوة إلى درجة الانفصال عن الواقع للحظات، وحدوث
مشهد تقطيع الأيدي وإحداث جروح بها، لكن في الوقت نفسه، تحقق لزليخة ما كانت ترمي
إليه، وبقية التفاصيل المعروفة التي يمكن الرجوع إليها
لمن أحب الاستزادة في القصة في التفاسير المتنوعة، إذ ليس المجال هاهنا لسرد
القصة، بقدر رغبتنا الدخول عبر هذا المشهد الى عالم الألم وكيفية السيطرة عليه ..
إن أردنا فهم ما حدث بشكل علمي مبسط في مجلس
زليخة، مع النسوة اللائي قطّعن وجرحن أيديهن، فيمكن القول ابتداء بأن الحدث
استثنائي نادر جعل النسوة لا يشعرن بألم القطع أو الجرح بالسكين، رغم عدم استخدام
أي دواء أو مخدر، وهذا الأمر يمكن أن يُفسَّر علمياً من زوايا عصبية، هرمونية، أو
نفسية.
منها اضطراب وراثي نادر يولد فيه الإنسان وهو غير
قادر على الشعور بالألم مطلقاً، وهذا خطر جداً على الإنسان، لأنه قد يعرض نفسه
لإصابات بليغة دون أن يشعر. وهذا احتمال مستبعد في حال النسوة.
الاحتمال الآخر كما يقول
المشتغلون بعلم الأعصاب، أن انفصال الإنسان عن واقعه للحظات قصيرة، قد تتسبب حالات الصدمة العاطفية أو
النفسية الشديدة في حدوث ذلكم الانفصال اللحظي القصير. والسبب أن في حالات الصدمة
الشديدة، يقوم الجسم بإفراز كميات كبيرة من " الإندورفين " وهي مادة
كيميائية طبيعية تُنتجها الغدة النخامية وتعمل كمسكّن للألم، وتأثيره مشابه لمخدر
المورفين.
كما يقوم الجسم أثناء
الصدمات العاطفية والنفسية الشديدة بإفراز هرمون آخر هو " الأدرينالين "
الذي يزيد من شدة انتباه المرء وتركيزه نحو حدث واحد دون غيره في لحظات قصيرة
مؤقتة. وهذه المواد ترتبط بمستقبلات الألم في الدماغ والنخاع الشوكي. أي أن ما يحدث
أثناء الصدمة، أنه يتم تعطيل مؤقت، أو
تجاهل لعملية نقل إشارات الألم من العضو المصاب إلى مراكز الألام بالجسم، رغم
وصولها فعلياً من الأعصاب !
إن عدنا لمشهد النسوة تارة
أخرى بشكل عميق، وأراد أحدكم أن يسأل ويقول بشكل دقيق:
ما الذي جرى في أدمغة
النسوة لحظة خروج يوسف عليهن؟
عندما جرحت النسوة أيديهن،
انتقلت الإشارات العصبية للألم من الجلد إلى الدماغ، لكن الدماغ في تلكم اللحظة كان
مشغولاً جداً بمشهد مثير، لا يمكن أن يصرف انتباهه إلى أي حدث آخر بالجسم ! لكن بعد لحظات، أو حين زال
المثير بخروج يوسف - عليه السلام - من المجلس، هدأت أجسام النسوة وعاد التركيز
إليها، وبدأ الدماغ من فوره في استقبال إشارات الألم، ولكن في وقت متأخر عن
المعتاد، وهو ما يفسر فجائية الإحساس بألم القطع أو الجرح لدى النسوة، حيث شعرت كل
واحدة منهن بحرقة الجرح وكأنه حدث للتو !!
بعبارة أخرى مختصرة، دماغ
كل امرأة في تلكم اللحظات فضّل أن يرى، لا أن يشعـر ! والحديث عن عالم الألم
متنوع ومتشعب، قد نجد في قادم الأيام فرصة لسبر أغوار هذا العالم بإذن الله..
فاللهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما.



ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق