كان من بين أسرى قريش يوم بدر ، الشاعر أبوعزة
الجمحي ، والشاعر في ذاك الزمن بمثابة الإعلامي في الوقت الحاضر.. الجمحي هذا ، بعد أسره ، توسل الى النبي صلى الله عليه وسلم واستعطفه لفقره وعياله ، فأفرج عنه
النبي الكريم دون فدية ، بشرط أن يعده ألا يرجع لقتال المسلمين تارة أخرى ..
لكن
هذا المشرك ما اتعظ ولا اعتبر، بل دخل في حرب المسلمين يوم أحد وأخلف وعده للرسول
الكريم صلى الله عليه وسلم ، فوقع أسيراً مرة أخرى في يد المسلمين ، فجاءوا به الى
الرسول صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله أقلني ، فرد عليه صلى الله عليه
وسلم :" لا والله ، لا تمسح عارضيك بمكة
- يقصد لحيته على جانبي الوجه – وتقول : خدعتُ محمداً مرتين .. اضرب عنقه
يا زبير " ، فلقى جزاءه ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم يومها :" لا
يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين ". فصار الحديث مثلاً .
نعم
، العطف والرأفة واللطف والعفو ، أخلاق فرسان راقية ، كلنا يحتاجها ويسعى الى
التخلق بها في تعامله مع الآخرين ، لكن هذا لا يعني أنك تكون لطيفاً أو طيباً بشكل
مطلق ، لأن لكل شيء حد لا يجب تجاوزه .
هناك
من الناس من يعتقد أن طيبة الآخر في تعامله ورأفته وأخلاقه العالية معه ، إنما
غباء أو سذاجة ، وهذا ما يدفع بهم الى التمادي الى درجة الفحش في التعامل ، فتراه
يكرر الخطأ المرة والأخرى باعتبار أن من يتعامل معه ، شخص طيب ودود أو ساذج إن صح
التعبير .. وتلكم نظرة استغلالية وقمة في الدناءة .
من
هنا ، نجد قدوتنا صلى الله عليه وسلم يعلمنا درساً في هذا المجال ، لكي لا يتم
استغلال طيبة وأخلاقيات المسلم الراقية الرفيعة من قبل انتهازيين واستغلاليين ،
فذاك الشاعر كان من عناصر الفتنة وتهييج الناس على الإسلام والمسلمين ، وحين وقع
أسيراً ببدر وطلب العفو لفقره ، تعامل معه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم
بأخلاقه العالية ، فلما استمر وأخلف وعده ورجع لما كان عليه ، لم يكن ليستحق
التعامل معه بنفس الأخلاق حين وقع أسيراً للمرة الثانية ، فكان جزاءه بالشكل الذي
يستحق ، لأنه كان سيعود لما كان عليه لو أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق سراحه ،
فإن بعض النفوس ، لئيمة دنيئة ، لا تستحق إلا نوعية معينة من التعامل ، كنموذج
الشاعر أو الإعلامي الذي تحدثنا عنه ، وما أكثر هذه النوعية في زماننا هذا ، وما
أكثر ما نُلدغ من نفس الجحر ، ليس مرتين بل مرات ومرات .. أليس كذلك يا سادة ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق