أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الأحد، 12 أبريل 2015

عاصفة الحزم .. من الجو إلى البر

 
  عاصفة الحزم التي بدأت أواخر الشهر الماضي ضد التحركات الحوثية السريعة المريبة في اليمن ، لا يبدو في الأفق ما يشير الى قرب توقفها ، فالبدء بالحرب عادة أسهل من وقفهـا، لأنك تبـدأ وفق خطط واستـراتيجيـات معينة ، ولكن الوقائع أحياناً تختلف وتتجدد ، وبالتالي تؤدي الى وضع خطط أخرى مستحدثة ، وهذا ما يؤدي بأمد الحرب الى أن يطول ويمتد. 


  لا أشك لحظة على أن متخذ القرار في هذه العاصفة كان يدرك تماماً الطبيعة الجغرافية لليمن وصعوبتها ، فكانت البداية بالضربات الجوية التي تساعد كثيراً في قصم الظهر وإحداث شروخ بالعمود الفقري للعدو ، لكن تلك الشروخ لا تساعد على شل الجسم كله ، ولابد من مبادرة أرضية تقيد حركة أعضاء هذا الجسم وتشله بشكل حاسم .

  عاصفة الحزم منذ أن بدأت وفاجأت الكثيرين ، تسير بخطى ثابتة ، لكن المحيط بدأ يتلقى رسائل التثبيط والتشكيك من هنا وهناك ،  وهي دون شك مؤثرة بصورة وأخرى ، وخصوصاً إن طال أمد الحرب الجوية ، التي لا يمكنها بالمنطق العسكري حسم الأمر دون سيطرة فعلية على الأرض .. ربما ساعد حملة التشكيك تلك ، قرار البرلمان الباكستاني التزام الحيادية ، الأمر الذي قال البعض أن الأمل كان معقوداً على قوات باكستانية أرضية تحسم الأمور بمعية قوات التحالف ، وهذا ما لم يكن متوقعاً من بلد بعيد مثل باكستان وبها من مشاكل داخلية تهددها على الدوام ، إضافة الى توترها الدائم مع الهند،  وما كان من تأييد في البداية إنما جزء من دعم معنوي سياسي لا أكثر ، وبالمثل تركيا ، ولن تفعل مصر أكثر من ذلك ، ودعك من مقولة " مسافة السكة " ، فإنما تلك شعارات ، ولن أظن بأن يغامر أحد غير جوار اليمن ، بدخول أرض وعرة  صعبة ، فالكل ما زال يتذكر أفغانستان وما أحدثته للسوفييت والأمريكان ومن قبلهم الإنجليز..

 إذن كما يقول خبراء الاستراتيجيا والحرب ، عاصفة الحزم لابد أن تتحول من عاصفة جوية الى برية ، فالجو لا يحسم حرباً بقدر ما للبر من كلمة وسلطان ، وإنه كلما طالت مدة القصف الجوي ، كلما كانت فرص أن تتعقد الأمور وتتأزم أكثر فأكثر ، وخصوصاً أن التثبيطات قد بدأت كما أسلفنا ، وحملات التشكيك حول فاعلية عاصفة الحزم تزداد ، وهو ما يدعو الى أن يتم حسم المعركة سريعاً ، وأحسب أن القوات البرية هي صاحبة القرار كما يراها خبراء الحروب، حتى تخرس الألسنة المثبطة .. إن دولة ذي طبيعة جغرافية صعبة كاليمن ، يمكن اعتبار دخول أي قوات برية غير يمنية في الحرب ، إنما هو تكرار لسيناريوهات تاريخية معروفة ، مثل تورط الأمريكان في فيتنام، جيش عبدالناصر في اليمن بالستينات ، السوفييت ومن قبلهم الإنجليز وبعدهم الأمريكان مرة أخرى في أفغانستان . هذا الأمر لا أظن أنه بخاف على مديري معركة عاصفة الحزم لا من قبل ولا الآن .

  فما الحل إذن ؟
   في دولة قبلية لا وجود كبيراً للدولة السياسية مثل اليمن ، إضافة الى الطبيعة الجغرافية التي تحدثنا عنها ، فإنه ليس من مفر سوى الاعتماد على اليمنيين أنفسهم ، فأهل اليمن أدرى بجبالهم وشعابهم ووديانهم .
ماذا يعني هذا ؟
  إنه يعني بكل وضوح أهمية التوجه الى مشايخ القبائل ومراعاة مصالحها أولاً والتحدث معها حول ذلك قبل مصلحة اليمن ، أو هكذا العقلية السائدة لدى كثير من القبائل اليمينة ، التي في بعض الدراسات أنها تتجاوز ال 200 قبيلة ، وهذا ما كان يقوم به علي صالح طوال حكمه لليمن ، ولا شك في أنه نجح كثيراً ، بل إن فهمه لطبيعة تلك القبائل وطريقة تفكيرها وتدبيرات أخرى ، مكنته من الاستمرار عقوداً في الحكم .
   
  اليوم في ظل سخونة عاصفة الحزم ، لابد من توجيه بوصلة التحالف مرة أخرى نحو حزب التجمع والإصلاح اليمني ، الذي بقدرة قادر وتدبير مدبر ولأسباب تتعلق بالربيع العربي ، تم تهميش هذا الحزب ، الذي يعتبر من أكبر الأحزاب اليمنية وأكثرها انتشاراً وقدرة على التواصل مع القبائل ، وأكثرها تنظيماً.   

   حسم الأمور على الأرض من خلال هذا الحزب ودعمه عسكرياً وسياسياً ، هو أفضل السيناريوهات المتاحة الآن ، فإن حملات التخويف من ثورات الربيع العربي والإخوان ما كانت سوى شماعات لوقف التغيير بالعالم العربي ، فقد كانت ثورة شباب اليمن قاب قوسين وأدنى أن تنجح وتقدم يمناً ديمقراطياً نموذجياً ، وإن كان ليس بالضرورة أن يصبح مهدداً للجوار القريب أو البعيد ، كما أوحى بذلك منظرو الثورات المضادة ..
   ها هي الأمور واضحة باليمن ، فلتتخذ الرياض ومعها عواصم التحالف الخليجية ذات الرؤية الواضحة ، هذا القرار الاستراتيجي وتعيد الى حزب الإصلاح هيبته ، فهو جزء مهم من حسم المعركة ، وإن الاستمرار في تهميشه ليس في صالح التحالف ولا اليمن بطيعة الحال ..  وإنا الى ذلك النوع من القرارات لمنتظرون .  
             

ليست هناك تعليقات: