عاصفة الحزم التي
بدأت أواخر الشهر الماضي ضد التحركات الحوثية السريعة المريبة في اليمن ، لا
يبدو في الأفق ما يشير الى قرب توقفها ، فالبدء بالحرب عادة أسهل من وقفهـا، لأنك تبـدأ وفق خطط واستـراتيجيـات معينة ، ولكن الوقائع أحياناً تختلف وتتجدد ، وبالتالي تؤدي الى وضع خطط أخرى مستحدثة ، وهذا ما يؤدي بأمد الحرب الى أن يطول ويمتد.
لا أشك
لحظة على أن متخذ القرار في هذه العاصفة كان يدرك تماماً الطبيعة الجغرافية لليمن
وصعوبتها ، فكانت البداية بالضربات الجوية التي تساعد كثيراً في قصم الظهر وإحداث
شروخ بالعمود الفقري للعدو ، لكن تلك الشروخ لا تساعد على شل الجسم كله ، ولابد من
مبادرة أرضية تقيد حركة أعضاء هذا الجسم وتشله بشكل حاسم .
عاصفة الحزم منذ أن بدأت وفاجأت الكثيرين ، تسير بخطى ثابتة ، لكن المحيط بدأ يتلقى رسائل التثبيط والتشكيك من هنا وهناك ، وهي دون شك مؤثرة بصورة وأخرى ، وخصوصاً إن طال أمد الحرب الجوية ، التي لا يمكنها بالمنطق العسكري حسم الأمر دون سيطرة فعلية على الأرض .. ربما ساعد حملة التشكيك تلك ، قرار البرلمان الباكستاني التزام الحيادية ، الأمر الذي قال
البعض أن الأمل كان معقوداً على قوات باكستانية أرضية تحسم الأمور بمعية قوات
التحالف ، وهذا ما لم يكن متوقعاً من بلد بعيد مثل باكستان وبها من مشاكل داخلية
تهددها على الدوام ، إضافة الى توترها الدائم مع الهند، وما كان من تأييد في البداية إنما جزء من دعم
معنوي سياسي لا أكثر ، وبالمثل تركيا ، ولن تفعل مصر أكثر من ذلك ، ودعك من مقولة
" مسافة السكة " ، فإنما تلك شعارات ، ولن أظن بأن يغامر أحد غير جوار اليمن ، بدخول
أرض وعرة صعبة ، فالكل ما زال يتذكر
أفغانستان وما أحدثته للسوفييت والأمريكان ومن قبلهم الإنجليز..
إذن كما يقول خبراء الاستراتيجيا والحرب ، عاصفة
الحزم لابد أن تتحول من عاصفة جوية الى برية ، فالجو لا يحسم حرباً بقدر ما للبر
من كلمة وسلطان ، وإنه كلما طالت مدة القصف الجوي ، كلما كانت فرص أن تتعقد الأمور
وتتأزم أكثر فأكثر ، وخصوصاً أن التثبيطات قد بدأت كما أسلفنا ، وحملات التشكيك حول فاعلية
عاصفة الحزم تزداد ، وهو ما يدعو الى أن يتم حسم المعركة سريعاً ، وأحسب أن القوات البرية
هي صاحبة القرار كما يراها خبراء الحروب، حتى تخرس الألسنة المثبطة .. إن دولة ذي طبيعة جغرافية صعبة كاليمن ، يمكن
اعتبار دخول أي قوات برية غير يمنية في الحرب ، إنما هو تكرار لسيناريوهات تاريخية
معروفة ، مثل تورط الأمريكان في فيتنام، جيش عبدالناصر في اليمن بالستينات ،
السوفييت ومن قبلهم الإنجليز وبعدهم الأمريكان مرة أخرى في أفغانستان . هذا الأمر
لا أظن أنه بخاف على مديري معركة عاصفة الحزم لا من قبل ولا الآن .
فما الحل إذن ؟
في دولة قبلية لا وجود كبيراً للدولة السياسية
مثل اليمن ، إضافة الى الطبيعة الجغرافية التي تحدثنا عنها ، فإنه ليس من مفر سوى
الاعتماد على اليمنيين أنفسهم ، فأهل اليمن أدرى بجبالهم وشعابهم ووديانهم .
ماذا يعني
هذا ؟
إنه يعني بكل وضوح أهمية التوجه الى مشايخ
القبائل ومراعاة مصالحها أولاً والتحدث معها حول ذلك قبل مصلحة اليمن ، أو هكذا
العقلية السائدة لدى كثير من القبائل اليمينة ، التي في بعض الدراسات أنها تتجاوز
ال 200 قبيلة ، وهذا ما كان يقوم به علي صالح طوال حكمه لليمن ، ولا شك في أنه نجح
كثيراً ، بل إن فهمه لطبيعة تلك القبائل وطريقة تفكيرها وتدبيرات أخرى ، مكنته من
الاستمرار عقوداً في الحكم .
اليوم
في ظل سخونة عاصفة الحزم ، لابد من توجيه بوصلة التحالف مرة أخرى نحو حزب التجمع
والإصلاح اليمني ، الذي بقدرة قادر وتدبير مدبر ولأسباب تتعلق بالربيع العربي ، تم
تهميش هذا الحزب ، الذي يعتبر من أكبر الأحزاب اليمنية وأكثرها انتشاراً وقدرة على
التواصل مع القبائل ، وأكثرها تنظيماً.
حسم الأمور على الأرض من خلال هذا الحزب ودعمه
عسكرياً وسياسياً ، هو أفضل السيناريوهات المتاحة الآن ، فإن حملات التخويف من
ثورات الربيع العربي والإخوان ما كانت سوى شماعات لوقف التغيير بالعالم العربي ، فقد كانت ثورة شباب
اليمن قاب قوسين وأدنى أن تنجح وتقدم يمناً ديمقراطياً نموذجياً ، وإن كان ليس
بالضرورة أن يصبح مهدداً للجوار القريب أو البعيد ، كما أوحى بذلك منظرو الثورات
المضادة ..
ها هي الأمور واضحة باليمن ، فلتتخذ الرياض
ومعها عواصم التحالف الخليجية ذات الرؤية الواضحة ، هذا القرار الاستراتيجي وتعيد
الى حزب الإصلاح هيبته ، فهو جزء مهم من حسم المعركة ، وإن الاستمرار في تهميشه ليس
في صالح التحالف ولا اليمن بطيعة الحال .. وإنا الى ذلك النوع من القرارات لمنتظرون .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق