سرعان ما سيتبادر إلى الذهن حين نتحدث عن حاكم فقير
، رئيس أوروغواي ، السيد خوسيه موخيكا ، على أنه أفقر رئيس في العالم ، إذ يبلغ
مرتبه الشهري حوالي 12 ألف دولار أميركي ، ويقال أنه يحتفظ بنسبة 10 بالمائة منه
فقط ويتبرع ببقية راتبه للجمعيات الخيرية في بلاده ، حيث يرى أن العشرة بالمئة
تكفيه ليعيش حياة كريمة وخاصة أن غالبية شعبه يعيشون بأقل من ذلك ..
بالطبع
هذا الرئيس نموذج نادر، إن كان هو كذلك في حقيقة الأمر كما يظهر أمام الإعلام ، ولا
أظن أن يظهر أحدٌ مثله في عالم اليوم المادي بهذه السهولة ، ولكن بالطبع لا أتوقع
أن هذا الرئيس سينجو من سخرية الساخرين وربما وصفوه بالسذاجة وغيرها من أوصاف ..
ولكن ليس هو حديثنا اليوم بقدر ما هو عن أحد ولاة حمص في عهد الفاروق عمر رضي الله
عنه ، ويُدعى سعيد بن عامر ، وكان ممن أسلموا قبل خيبر .
القصة
العجيبة تبدأ حين طلب عمر من أهالي حمص أن يكتبوا أسماء الفقراء
والمساكين ليعطيهم نصيبهم من بيت مال المسلمين ، والمفاجأة كانت حين رأى اسم سعيد
بينهم ! فكيف يكون واليه من الفقراء ؟ فسألهم وأجابوه بكل
أمانة أنه ينفق معاشه المخصص له من الدولة على الفقراء والمساكين ويردد : ماذا أفعل وقد أصبحت
مسؤولاً عنهم أمام الله؟
عندما سألهم إن كانوا يعيبون شيئا عليه ، أجابوه بنعم .. نعيب
عليه ثلاثا: فهو لا
يخرج إلينا إلا ضحى و لا نراه ليلاً أبداً ويحتجب علينا يوماً
في الأسبوع .. وعندما استفسر عمر ذلك من سعيد ، وهو يبتهل إلى الله همساً ويقول: " اللهم إني أعرفه من خير عبادك..
اللهم لا تخيّب فيه فراستي" .. بعد أن استمع عمر لأهل حمص مآخذهم على سعيد ، قام وأجاب قائلاً : أما أني لا أخرج الا ضحى فلأني لا أخرج إلا بعد أن أفرغ من حاجة أهلي
وخدمتهم، فأنا لا خادم لي وامرأتي مريضة وأما احتجابي عنهم ليلاً فلأني جعلتُ النهار لقضاء حوائجهم
والليل جعلته لعبادة ربي، وأما احتجابي يوماً
في الأسبوع فلأني أغسل فيه ثوبي حتى يجف، ذلك أني لا أملك ثوباً غيره .. فبكى أمير المؤمنين عمر ، وقال :" الحمد لله الذي لم يخيّب فراستي "، ثم أعطاه
مالاً ، فلم ينصرف سعيد حتى وزعه على الفقراء والمساكين !!
لقد صدق علي بن أبي طالب
حين سمع الفاروق يشيد بالذين فتحوا بلاد الفرس وأحضروا كنوزه وأمواله وهو يقول
:" إن قوماً بعثوا هذا لأمناء ، فيقول له علي رضي الله عنه :" يا أمير المؤمنين : عففتَ
فعفوا ، ولو رتعت لرتعوا ". نعم ، لقد كنت
أميناً قبلهم يا أمير المؤمنين ، فاقتدوا بك في الأمانة وبدأت بالعفة عن المال العام فعفّـوا مثلك ، ولو أنك رتعت في المال العام لرتعوا ،
ولو سرقت منه لسرقوا . .هذا هو الفاروق وولاته .. وكأني
بالسيد خوسيه وقد قرأ سيرة الفاروق ، فهو يسير على هداه الآن !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق