يحكى أن رجلاً ذهب إلى أحد العلماء، وشكا إليه فقره، فقال له العالم:
أَيسُرُّكَ أنك أعمى
ولك عشرة آلاف درهم؟
فقال الرجل: لا
قال العالم: أيسرك أنك
أخرس ولك عشره آلاف درهم؟
فقال الرجل: لا
قال العالم: أيسرك أنك
مجنون ولك عشرة آلاف درهم؟
فقال الرجل: لا
قال العالم: أيسرك أنك
مقطوع اليدين والرجلين ولك عشرون ألفا؟
فقال الرجل: لا
قال العالم، أما تستحي
أن تشكو مولاك وله عندك نعم بخمسين ألفا ؟!
بالشكر تدوم النعم. هكذا تقول
التجارب البشرية، وهي التجارب ذاتها تؤكد أن كفران النعم، سبب لزوالها. والإنسان
بحسب طبيعته - كما قال السعدي في تفسيره " لا تسمح نفسه بما عليه من الحقوق،
فتؤديها كاملة موفرة، بل طبيعتها الكسل والمنع لما عليه من الحقوق المالية
والبدنية، إلا من هداه الله وخرج عن هذا الوصف إلى وصف السماح بأداء الحقوق".
أغلبنا ينظر إلى المفقود من النعم وإن كانت قليلة نادرة، ولا يشعر بالموجود، وهي كثيرة وافرة. ومن هنا يعاتب الله الناس أن أكثرهم غير شاكرين، غير حامدين، بل لنعمائه جاحدون ! حاول أن تجلس إلى نفسك يوماً لتعد وتُحصي نعم الله عليك، سواء في بدنك، أو بيتك أو محيطك أو ما شئت من المجالات التي ترى فيها نعم الله عليك وعلى أحبائك. حاول أن تكتبها كي لا تنسى نعمة أو أخرى.
ستجد في لحظات قليلة، قائمة
طويلة عريضة تشكلت عندك، وفيها من نعم الله الكثير الكثير. وستجد أن نعم الله عليك
فعلاً لا تُعد ولا تُحصى. ولكن لتكرارها حولنا أو اعتيادنا على وجودها في كل لحظات
حياتنا، ننسى أنها من نعم الله التي يغرقنا الله بها رغم كل التقصير في حقه
سبحانه. نعمٌ ظاهرة وباطنة، تستوجب شكراً دائماً أبدا..
إنّ زيارة سريعة لعدد من المرضى
في أي مستشفى، ستدفعك دفعاً وأنت خارج عنهم أن تشكره سبحانه في كل دقيقة وثانية.. تشكره
على نعمة العافية التي لا يمكن لأحد أن يساوم عليها بملايين الدراهم والريالات أو
الدولارات، وهي واحدة من نعم الله علينا وعليك. ألا تلاحظ معي أن الناس في لحظات
معينة من حياتهم صارت تدفع ما تملك، لتسترد ما كانت تملك من صحة وعافية؟ نعمةٌ لا
نشعر بها إلا حين تغيب عنا ولو للحظات.
يقول ابن قيم الجوزية:" إظهار
النعمة والتحدُّث بها من صفات المؤمنين الشاكرين، وأما أن يكتم المرء النعمة،
ويُظهر أنه فاقد لها؛ إما بلسان الحال أو المقال، فهو كفرٌ لها، وهو من صفات
الكافرين الجاحدين، وإنما سُمي الكافرُ كافراً؛ لأنه يغطي نعمة الله التي أسبغها
عليه، ويجحدها ولا يقرُّ بها ".
حين منّ الله على نبيه داود – عليه السلام – وآله، بأشكال وصور شتى من النعم التي لم توهب لغيرهم، قال لهم ( اعملوا آل داود شكرا )، ليس شكراً بترديد كلمات وأذكارا فحسب، بل ذلكم الشكر الذي يكون بالقلب واللسان والجوارح.
أما الشكر بالقلب فيكون عبر الاعتقاد الراسخ أن
ما أنعم الله عليك، فإنما هو من فضله سبحانه ( وما بكم من نعمة فمن الله )
وأما باللسان فعبر الرضى والقناعة بما عندك، وفي الوقت ذاته تسأله سبحانه المزيد
من فضله وكرمه. وأما الشكر بالجوارح فعبر استخدام نعم الله فيما يرضيه سبحانه لا
ما يجلب غضبه.
يروى عن أحد الصالحين أن الرجل إذا سلم على
الرجل، وسأله كيف أصبحت، فقال له الآخر: أحمدُ الله إليك. يقول المَلَك الذي عن
يساره للذي عن يمينه: كيف تكتبها؟ قال: أكتبه من الحامدين. وروي أن رجلين من
الأنصار التقيا، فقال أحدهما لصاحبه: كيف أصبحت؟ فقال: الحمد لله. فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: قولوا هكذا
نقطة أخيرة في موضوع الشكر وتدور حول الوعد
الإلهي للشاكرين الحامدين، وهي أنه سبحانه يزيدهم من فضله ويبارك فيما ينعمه عليهم
( لئن شكرتم لأزيدنكم ) فكلما شكرتَ الواهب، زادك من فضله وبارك لك فيما
أعطاك.
لكن إن
وجدت نفسك لا تشكر الله على نعمائه، وبعيد عنه سبحانه، ومع ذلك لا تشعر بنقصان
النعم والخيرات والثروات، بل تراها تزيد وتتكاثر، فاعلم أن الله يستدرجك.
والاستدراج يعني الهلاك دون أدنى شك ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب
كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) والمبلسون هم
اليائسون من كل رحمة وكل خير.
فاللهم اجعلنا لك ذكّارين، لك شكّارين، إليك أوّاهين
منيبين.. آمين يا رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق