
اندفعت الثورة الخمينية بحماسة وزخم عجيبين
أثارت الجوار القريب مثلما البعيد كذلك، تريد التوسع والانتشار، الأمر الذي استدعى
كبح جماحها بوسيلة وأخرى، فكانت أبرزها التورط في حرب مع العراق لثمان سنوات،
أهلكت الحرث والنسل وأوقفت المد الثوري حيناً من الدهر.
تطورت بعد ذلك تقنيات طهران في التعامل مع الخارج، فكانت
السياسة التفاوضية طويلة المدى أبرز التقنيات والوسائل، كسبت من ورائها الكثير في
التعامل مع القوى الكبرى، فيما اتخذت طريقة الواجهات وتقديم الدعم المناسب من أجل
التغلغل للعمق العربي، فتوسعت إيران بشكل غير مباشر، وقطفت الثمار على شكل عواصم
عربية أربع.. بيروت ثم بغداد فدمشق وأخيراً صنعاء.

المنطقة منذ أن خرج اللاعب العراقي القوي من
دائرة الكبار الأقوياء بالخليج ، بعد الهجمة التترية الأمريكية عام 2003، أصبحت بين
قوتين لا ثالث لهما ، السعودية وايران .. ولقد كان الوجود الأمريكي المؤثر عاملاً
مهماً في ضبط وكبح جماح ايران، التي رأت بعد
فتور الهمة عند الأمريكان تجاه المنطقة ، أن الفرصة مواتية لتفعيل مشروع تصدير
الثورة من جديد ، سواء بالخليج أو حتى التغلغل في العمق العربي من كل الاتجاهات .
لقد تبين عملياً أن أمريكا ما عادت بتلك
الحماسة وذاك الاهتمام بالخليج كما كان قبل عقود مضت، فالطاقة التي كانت مغرية لها
بالمنطقة، قد اكتفت منها وخزاناتها الاستراتيجية مليئة تكفيها سنوات طوال، وأنظارها
اليوم متجهة صوب آسيا الوسطى، للحيلولة دون قيام اتحاد سوفييتي جديد، وقطع أي
علاقة مستقبلية محتملة على شكل تحالف بين الروس والصينين والهنود .. القوى
المستقبلية الصاعدة .

خراب المنطقة لم يعد
مهماً كثيراً عند الأمريكان ، وهذا ما يجب أن يدفع بدول الخليج العربية إلى سرعة
التعاضد والتكاتف ضد المد الثوري الإيراني السياسي ، الذي لا علاقة له بدين ، بل
إن فكرة التشيع ما هي سوى غطاء لا أكثر .. ومن هنا نرى أن تعزيز المحور التركي
السعودي بانضمام دول الخليج كلها إليه، سيكون صمام أمان للمنطقة وشعوبها إلى أن
يقضي الله أمراً كان مفعولا ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق