في الحديث القدسي :" : " أخلق ويُعبد غيري، أرزق ويُشكر سواي، خيري إليهم نازل، وشرهم إلي صاعد، أتقرب إليهم بالنعم، وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلى بالمعاصي، وهم أحوج ما يكونون إلي " .
من يقرأ الحديث سيكتشف على الفور حالنا مع رب صبور كريم، وغفور رحيم .. إنه سبحانه يتحمل ويصبر على الإساءة الصاعدة إليه الواحدة تلو الأخرى من عباده ، المسلمين وغير المسلمين، ولكن مع ذلك لا يؤاخذنا على تلك الإساءات المتنوعة وهو الغني عنا والقادر على أن يفعل ما يشاء بنا.
لو نتفاكر قليلاً في بعض نعم الله علينا وليست كلها بالطبع، التي لن نحصيها أبداً، وقارناها بالمعاصي والسيئات والذنوب التي نقترفها ليلاً ونهاراً، سراً وجهراً، لوجدنا الفرق هائلاً.. ومع كل هذا لا يؤاخذنا سبحانه بما نفعله في حقه من تقصير وتقاعس وتكاسل، ويظل سبحانه يصبر ويصبر وربما يموت الإنسان ولم تنزل بحقه عقوبة إلهية على التقصير أو الظلم.
لكن العكس حاصل بيننا بني البشر. انظر وتأمل إلى أقرب الأمثلة إليك .. لو كنت صاحب عيال مثلاً وأساء أحدهم أو ارتكب خطيئة ما في حقك، فإنك ستقوم عاجلاً أم آجلاً بمعاقبته بحسب الخطأ أو الجرم والذنب الذي ارتكبه في حقك، وربما أحياناً وفي فورة غضب، تعاقبه بشكل فيه الكثير من القسوة، وكذلك ستفعل مع من يعملون تحت إمرتك إن كنت مديراً أو مسؤولاً.
تخيل أيها القارئ حجم ذنوبنا ومعاصينا وجرائرنا العديدة المتنوعة في حق الله، وتصور لو أن الله يأخذنا بكل ذنب.. ما كان شكل حالنا ؟ بالتأكيد لا يسر، بل لم نكن لنعش إلا أياماً معدودات.. لكنه سبحانه الرحمن الرحيم، يحبنا أشد من حبنا لأبنائنا وأموالنا، ولا يحتاج هذا للتوضيح والبيان، ويصبر على عباده، ويعطينا الفرصة تلو الأخرى لنتوب ونعدل أوضاعنا وسلوكنا وأخلاقياتنا ونتقـرب إليه بالطاعات وفعل الخيرات وترك المنكرات، ويرسل إلينا الإشارة تلو الأخرى لنتعظ ونتوب.. منا من يتنبه ويعود إلى رشده سريعاً، ومنا غير ذلك .. وشهر الخير رمضان كما يعلم الجميع هو أفضل الأوقات للتفكر في مثل هذه الخواطر وتدبرها والعزم على دفع النفس إلى ما فيه صلاحها في الدنيا قبل الآخرة.. وما أقول هذا إلا من باب تذكير النفس قبل الغير ، ومن باب الذكرى التي تنفع المؤمنين دوماً وفي شهر عظيم مثل رمضان ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق