من يعض الحصى فلن ينجح سوى في كسر أسنانه.. نتيجة طبيعية لا شك فيها. والحكماء في أمثالهم يقولون بأن العناد والإصرار على رأي ، خاصة لو كان باطلاً، هما أشد وأوضح الأدلة على صفة الحماقة.
فلاسفة اليونانيون القدماء كانوا يرون بأن المغرور والعنيد لا فرق بينهما، وأن الغرور والعناد لا يكون سوى في التوافه من الأمور التي لا تستحق مجرد النظر إليها من الأسوياء، لكن عند العنيدين المعاني والرؤى تختلف.
موقعة بدر الكبرى، التي صادف ذكرها بالتاريخ الهجري، يوم أمس السابع عشر من رمضان المبارك، لا يمكن أن نتذكر المعركة دون التوقف عند رمز الحماقة أبي جهل عمرو بن هشام، الذي كان من أكثر من طالبوا بالحرب ضد المسلمين، على الرغم من نجاة قافلة قريش وإيثار أبي سفيان سلامة القافلة على اتباع رأي أبي جهل.
زعيم الكفر يومذاك أثبت بالفعل جهله وحماقته وقصر رؤيته وضيق أفقه، فإن كثيراً من زعماء قريش يومها آثروا عدم خوض الحرب، وتجنب قتال الأب لابنه والأخ لأخيه والأقارب بعضهم لبعض، وخاصة أن الهدف الأساسي من خروجهم لملاقاة حضرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قد زال بنجاة قافلتهم التجارية من الوقوع تحت سيطرة المسلمين.. لكنها الحماقة التي أعيت من يداويها كما قال الشاعر العربي، سيطرت على روح أبي جهل، فكان ما كان من معركة مشهودة ، فرق الله فيها بين الحق والباطل، واندحر الظلم والجهل والحمق في القليب.. أجساد وأشلاء تراكمت فوق بعضها وبئس المصير.
الشاهد من القصة، أن الحكمة والتعقل وهدوء التفكير وضبط الأعصاب في وقت الشدائد والأزمات، صفات ليست سهلة التحلي بها أو استحضارها وخاصة عند أصحاب القرار. لو أن زعيم الكفر يومئذ على سبيل الافتراض، لم يتبع الهوى والاعتداد بالقوة والنفس وآثر سماع أراء حكماء قريش، لكان الأمر مختلفا ً.
هذا الأمر يتكرر على الدوام وفي كل عصر وزمان ومكان، فمن قبل أبي جهل كان فرعون موسى، ومن قبل ذاك الفرعون الأحمق، كان سادة قوم عاد وثمود وأصحاب الأيكة وقوم لوط.. ومن بعدهم في العصر الحديث موسوليني وهتلر وغيرهم كثير كثير من الشرق والغرب لا يتسع المقام لحصرهم.. يتتابعون في التاريخ البشري.. إنهم مجموعة حمقى وجهلة وعدد من المستبدين بالرأي، كانت وستكون لهم القيادة واتخاذ القرار بقدرة قادر، فكانت وستكون النتيجة هلاكهم قبل غيرهم، ولكن من يتعظ ويعتبر؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق