أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الأحد، 2 أغسطس 2015

هكذا أخلاق الأنبياء

   ما كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يغضب لنفسه ، وهذا قمة ورقي في الأخلاق ليس يقدر عليه أحد سوى محمد ، صلى الله عليه وسلم .. فإن سيرته العطرة تحوي الكثير من المواقف التي لو كان أحد غيره صلى الله عليه وسلم ، لغضب لنفسه ولو في بعض تلكم المواقف ، لأنها كانت خارج نطاق الصبر والتحمل البشري .. وقصة رأس النفاق عبدالله بن أبي معه مشهورة ، وكيف اندفع ولده ليغضب لرسول الله ويقتل أباه بنفسه ، لكنه صلى الله عليه وسلم رفض ذلك بشدة رغم ضرره البالغ على الإسلام والمسلمين في تلك الفترة ، وهم بعدُ في فترة البناء وبداية طريق طويل صعب ..
  ما فائدة أن يسمح بقتل منافق ولو كان مؤذياً للإسلام والمسلمين أو منافق آخر مدفوع لتشويه سمعة رأس الدولة الذي كان يتمثل في الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ؟ إنه لم يغضب لنفسه مطلقاً ولكن كان يغضب لله .. ومن هنا لم ينصت ولم يسمح لولد عبدالله بن سلول أن يقتل أباه، بل قال له : لا، ولكن بر أباك ، وأحسن صحبته ! وبالمثل ، رد على طلب الفاروق عمر بن الخطاب أن يقتل ذاك الذي اتهم رسول الله في أمانته ، فقال له :  دَعْه ، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه..
   من هنا يتبين لنا أهمية التوجيه الصحيح في كيفية التعامل مع المخالف ، وهو ما نفتقده اليوم عند أصحاب القرار والسلطان والبأس في كثير من الأقطار.. فإن أسهل ما يمكن أن يتخذه أي صاحب قرار اليوم مع مخالفيه أو منتقديه ، هو قهرهم بأي وسيلة ممكنة أو منعهم مما هم فيه وعليه أو سجنهم أو نفيهم أو حتى قتلهم.. إن الصعوبة والمشقة والتحدي الكبير في مثل تلكم الحالات، تتمثل في الصبر على المخالف، ومناقشته ومحاورته، فلعله يتغير أو تتغير الظروف المحيطة به، فإما أن يميل نحوك أو يكف شره عنك، وكلاهما خير.
   في هذه الأيام، حيث الظروف التي نعيشها ، أرى حاجة كبيرة ومتعاظمة  لدى الزعماء أو القادة، والمديرين  والرؤساء أو ما شابههم من أصحاب القرار والسلطان ، في الاقتداء بخير البشر محمد صلى الله عليه وسلم ، في كيفية التعامل مع المخالفين ، فكل إنسان مخالف مهما بلغ من الشر والسوء، لابد أن تجد عنده هامشاً من الخير والإنسانية، وهي المساحة التي نبحث عنها والتي قد نغفلها حيناً أو نتغافل عنها أحياناً أكثر لحاجات في النفوس عديدة.. إذ من تلك المساحة أو بقعة الضوء، يمكننا الانطلاق نحو التغيير ونشر الضياء والخير، لأنها مساحة راسخة ثابتة، عكس تلك المساحات الشاسعة الظاهرة في المخالف، التي لا يمكنك الانطلاق منها لعدم ثباتها ورسوخها..

  هكذا كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ومثله كانوا الأنبياء الكرام وأصحاب الدعوات العظيمة . كانوا يبحثون عن الخير في الآخرين ، مهما تضاءلت فرص العثور عليها ، وهو ما يجب أن يكون عليه كل من أراد السير على درب النبيين والمرسلين في نشر الخير للآخرين .. فالدروب أكثر من أن نحصيها  لكن لا يضمن لك أحد مدى صلاحيتها وتأثيرها ، عكس الدرب النبوي الموثوق تماماً .. الأمر لك لتختار ما تشاء ، فانظر ماذا ترى..



ليست هناك تعليقات: