كثيرون قالوا لا تحزن وكتبوا وغردوا حول هذا المعنى .. ربما دفعتهم خبراتهم
إلى قول ذلك بعد أن تيقنوا تمام اليقين بأن الحزن إن طال وتجاوز حده ، انقلب للضد ولم يعد له معنى أو
مبرر لاستمراره .. أو هكذا ينظر كثيرون للأمر .
لماذا يقولون لا تحزن ولماذا أقول لا تحزن ولماذا تقول أنت كذلك لغيرك
وربما بالغد سيقول ويردد غيرنا العبارة ذاتها ؟ إليك الإجابة باختصار شديد ..
إن جلست
تحزن على الماضي فلن تعيده أبداً، لأنه حدثٌ وقع وانتهى، وإن جلست تحمل هم الغد
وتحزن بسبب ذاك الهم ، فلن تقدر على منع ما هو قادم بالغد أو تغييره ، لأنك لا
تدري كنهه أو ما هو هذا الشيء القادم حتى تتخذ العدة اللازمة لمواجهته..
الطريقة الناجعة الناجحة وأكيدة المفعول
والأثر للتعامل مع الأحزان على الماضي أو التخلص من حمل هموم المستقبل، إنما تكمن عبر الإيمان الراسخ الجازم في القلب
والذي لا يتزعزع .. إنه الإيمان بالقدر خيره وشره ، وأن ما نكرهه قد يكون خيراً
لنا ، وما نحبه ونرغبه قد يكون شراً مستطيراً، والله يعلم ونحن لا نعلم.
عبر هذا الفهم ، لن تجد أحدنا سيحزن بذاك النوع من الأحزان المقْعِدة عن
العمل والمعطلة عن كل ما هو نافع ومفيد، ولن تجد أحدنا سيحمل همّ ما قد سيكون بعد
لحظات من وقته الحاضر. إن ذاك الفهم للحياة وأحداثها وطبيعتها يقودنا إلى
الاستمتاع الحقيقي بها، وبحسب ما أمرنا ربنا.. لا نجزع ولا نحزن على أمر مضى، ولا
نقلق على أمر ما زال في علم الغيب قائماً لم يتلق الأوامر بعد للنزول إلى الأرض
وواقع الحياة الدنيا .
لا أقول بالتوقف عن الأحزان أو عدم التفكير في المستقبل. لا يمكننا القيام بذلك
لأننا بشر أصحاب مشاعر وخواطر ، نحزن ونقلق ، ولكن يتم ذلك في حدود المعقول ، فإن
كتم الحزن لا نفع من ورائه وقد يؤدي إلى ما هو أسوأ ، وبالمثل سيؤدي الابتعاد عن
القلق الإيجابي بخصوص المستقبل، إلى البلادة وفقدان الإحساس بأهمية إدارة الحياة،
وهذه مشكلة أكبر من أختها السابقة.
خلاصة القول أن الحياة تستحق أن نعيشها بالقلب والعقل معاً، لا يطغى أحدهما على
الآخر.. فلا إفراط أو تفريط ، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ذكّرنا بقوله
الشريف :" من أصبح منكم آمناً في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت
يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا "
.. حاول أن تتأمل هذا الحديث بعمق شديد ، لكي لا تحزن على ما فات ولا تحمل هم ما
هو آت ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق