ما إن يرد ذكرٌ للمغول الهمج في وقت من الأوقات بالتاريخ الإسلامي
إلا وجدت اسماً علماً أو قامة شامخة.. تلك القمة متمثلة في العالم الرباني، العز
بن عبدالسلام، العالم الشجاع، الذي يذكره المؤرخون على أنه من أعظم الرجال الذين
ظهروا في فترة حكم المماليك لمصر..
مما
جاء في سيرته أن الملك الصالح إسماعيل قد منح أو باع بلدتين من ديار المسلمين إلى
الصليبيين لأغراض مشبوهة، لا تقل سوءاً عما يحدث في عالم اليوم أيضاً، مما أثار
غضب المسلمين حينذاك، وأثار غضب العلماء تحديداً، وما أدراك ما غضب العلماء يومذاك
وما ينتج عن ذاك الغضب.. وما قام به الملك يومها أثار غضب علماء زمانه، فاتهموه
بالخيانة لله والدين وللوطن.
كان للعالم الرباني الشجاع العز بن عبدالسلام
موقفه الشجاع من ذلك الملك، حيث صعد المنبر يوماً وبدأ يخطب في الناس، حيث استنكر
ما قام به الملك الصالح إسماعيل - لم يكن الملك صالحاً بل الصالح كان لقباً يُنادى
به قبل اسمه - وأعلن العز بن عبدالسلام أن الملك قد خان الأمة الإسلامية بأسرها
وأنه لا طاعة له، بل وطالب بخلعه على مرأى ومسمع من الجميع! فتم إلقاء القبض عليه بالطبع وأودع السجن، فهل
انتهى أمره؟ بالطبع لم ينته أمره، لأن الجموع الغالبة من الشعب كانت على دين وملة
علمائها وليس ملوكها، فثار الناس تأييداً للعالم الشجاع وطالبوا بالإفراج عنه على
الفور، فشعر الملك بتورطه وحاول التخفيف من ثورة الشعب وامتصاص غضبه، مع المحافظة
في الوقت ذاته على ماء وجهه أمام الناس.. فأرسل إلى الشيخ من يقول له: إن الملك
سيعفو عنك بشرط أن تعتذر وتقبل يده! فأجاب الشيخ بكل شجاعة وعزة واستعلاء: « يا
مسكين، والله ما أرضى أن يقبل الملك يدي فضلاً عن أن أقبـّـل أنا يده » فلم تُعجب
الملك إجابة الشيخ فأمر بحبسه مجدداً وحتى إشعار آخر..
حدث ذات مرة أن زار وفد إفرنجي الملك، وصادف أنهم
سمعوا رجلاً يقرأ القرآن، وكان هو الشيخ الذي كان محبوسـاً في مكان قريب من مجلـس
الملك فسـألوه عنه.. فقال لهم الملك: إن هذا القارئ أعظم شيوخ المسلمين، وقد حبسته
لإنكاره علي التعـاون معكم وعزلته من منصبه وأودعته السجن، ظناً من الملك أن عمله
سيـكون موضـع ترحيب وتقدير من الوفد الإفرنجي، الذي رد أعضاؤه عليه قائلين: لو
كـان هذا الرجل فينا لغسلنا قدميـه وشربنـا ماءهما!!
تلك حادثة بسيطة أو قصة من قصص تاريخنا تفيد
الأجيال الحاضرة والقادمة في مسائل العزة والاستعلاء المكتسبة من التمسك بهذا
الدين العظيم، فلقد كان العالم الرباني العز بن عبد السلام شجاعاً وقوياً لأنه
استمد قوته من قوة إيمانه بالله، ولم يكن ليخش أحداً من خلق الله من الناس طالما
أنه خشي رب الناس.. فما أحوجنا في مثل هذه الأوقات العصيبة التي تمر على الأمة،
إلى عزة واستعلاء وشجاعة ورجولة العز بن عبدالسلام؟