دخلت أم المؤمنين عائشة ومعها حفصة على
الفاروق عمر رضي الله عنهم أجمعين، فقالت عائشة : يا أمير
المؤمنين أتأذن لي في الكلام معك ؟ قال : تكلمي يا أم المؤمنين، قالت: إن النبي
الكريم مضى لسبيله، إلى جنة ربه ورضوانه، لم يرد الدنيا ولم ترده، وكذلك مضى أبو
بكر على أثره لسبيله وألحقه بنبيه في الملأ الأعلى، لم يرد الدنيا ولم ترده ..
تكمل عائشة الحديث
فتقول لعمر : أما أنت يا أمير المؤمنين، فقد فتح الله على يديك كنوز كسرى وقيصر،
ودانت لك أطراف المشرق والمغرب ، وها هي رسل العجم والعرب يأتونك ، وعليك هذه الجُبّة الخلقة ، وقد رقعتها اثنتي
عشرة رقعة ، فلو غيرتها بثوب لائق جميل ، يهاب فيه منظرك ، ولو استبدلت طعامك
الخشن، بطعام طيب لذيذ، ليقوى بدنك، وينشط جسدك على حمل أعباء الأمة والرعية..
ما أتمت عائشة كلامها حتى بكى عمر شديداً.. ثم قال : يا عائشة، سألتك بالله، هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، شبع من خبز بر ثلاثة أيام ؟ أو جمع بين عشاء وغذاء في يوم واحد حتى لقي الله؟ قالت عائشة لا.. قال : يا عائشة، هل تعلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس جبة من الصوف ربما حك جلده من خشونتها ؟ أتعلمان ذلك يا عائشة ويا حفصة ؟ قالتا : اللهم نعم .
ثم التفت عمر إلى
حفصة ابنته ، فقال لها : ألم تحدثيني يا حفصة أنك ثنيت للنبي صلى الله عليه وسلم
عباءته ذات ليلة لينام عليها ؟ فوجد لينها فنام ولم يستيقظ إلا بأذان بلال ، فقال لك يا حفصة : ماذا صنعتِ، أثنيت العباءة
والمهاد ليلتي هذه ، حتى ذهب بي النوم إلى الصباح ! مالي وللدنيا، وكيف شغلتموني بلين العباءة عن
مناجاة ربي؟ يا حفصة أما تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مغفوراً له
ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وكان يمضي جائعاً، ويرقد لله ذاكراً إلى أن قبضه الله
إلى رحمته ورضوانه ؟
فلا أكل عمر طيباً،
ولا لبس ليناً .. إنما مثلي ومثل صاحبيَّ
قبلي كثلاثة نفر سلكوا طريقاً، فمضى الأول وقد تزود زاداً فبلغ، ثم أتبعه الآخر فسلك
طريقه فأفضى ووصل إليه، ثم أتبعهما الثالث، فإن سلك طريقهما ورضي بزادهما لحق بهما
وكان معهما، وإن سلك غير طريقهما لم يصل إليهما ولم يجتمع بهما.. فلما سمعت حفصة وعائشة من عمر ما سمعتا، رجعتا إلى الصحابة
وأخبرتهم بما سمعتا، ولم يزل أمير المؤمنين عمر ، على تلك الحال حتى لقي ربه ، رضي الله عنه وأرضاه ..