تحدثنا في المقالة السابقة عن مسألة مهمة يمكن تسميتها بثقافة الأعذار التي إن سادت في أي مؤسسة عمل تهاوت وخربت وتعطلت ونتج عن شيوعها الكثير من المشكلات. وأقصد بثقافة الأعذار أن يأتي الموظف إليك ويتعذر بعذر أو آخر يبرر به عدم إنجازه العمل المطلوب في الوقت المحدد..
قد ينظر المديرون إلى هذه المشكلة على أنها صغيرة ولا تستأهل ذاك الاهتمام الكبير، بل ويحدث نوع من التعاطف مع الموظف حين يأتي بعذر ما، واعتبار ذاك العذر سببا لعدم إنجاز العمل، ويتم إحسان الظن به..
لكن هذه المشكلة الصغيرة غير المحسوسة هي بمثابة سرطان ينتشر في جسم المؤسسة، يبدأ بإحداث تلفيات هنا وهناك إلى أن ينهار هذا الجسم من بعد أن يكون اكتشاف المرض تأخر كثيراً وصار العلاج حينها أشبه بالتخبط يمنة ويسرة، ويكون الوقت قد فات تقريباً.
وقد قلنا إن تقديم الموظف للعذر تلو الآخر دليل على وجود مشكلة لديه أو عدد من المشكلات شائعة في المؤسسة، وما تقديم الأعذار إلا أعراض لتلك المشكلات أو الأمراض، لأن الأصل أن يقوم الموظف بعمله كما يجب وفي الوقت المحدد، أما أن يبحث له عن عذر ما، فهذا ما يجب التوقف عنده وبحزم منذ المرة الأولى، كيلا يعاود الكرة مرة أخرى وثالثة وألف، إن لم يجد وقفة صارمة من مسؤوليه.
تقديم العذر هو نوع من الحماية الذاتية للشخص يقوم به حينما يجد حاجة إلى حماية نفسه من اللوم والتقريع والإهانة أو غيرها مما يمكن أن يلقاه حالما يعجز عن تقديم عمله بحسب ما طُلب منه وفي الوقت المحدد. والإنسان منا لديه قدرة هائلة على صناعة الأعذار، ولو أن أحدنا استخدم تلك القدرة في إنجاز أعماله بدلاً من صناعة الأعذار لكانت الأمور غير ما نحن عليه الآن في كثير من مواقع العمل.
إذن لا بد لك كمدير أو مسؤول أن تتنبه إلى مشكلة الأعذار التي يقدمها الموظفون. وحتى لا تكون فظاً غليظ القلب من البداية، لا مانع من قبول العذر الأول مع أهمية توجيه الموظف إلى عدم تكرار ذلك، وبالطبع لا بد أن يكون العذر معقولاً، وإن كان ليس مطلوباً منك أن تتأكد وتبحث عن صدق أو زيف العذر، فليس هذا من مهامك لأنك ستتعب في البحث والتحري، ولكن ابعث رسالة واضحة إلى أنك تقبل العذر ليس لقوة عذره بل لأنك تعطيه الفرصة للمرة الثانية أن يجيد ويتقن عمله وإلا فالنتيجة ستكون محسومة سلفاً..
تخلصوا أيها المديرون من مشكلة الأعذار قبل أن تكونوا خارج الأسوار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق