أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الأربعاء، 2 سبتمبر 2015

هل ابن الوز عوام ؟!



   عنوان اليوم عن المثل الشعبي المشهور ، ابن الوز عوام ، الذي يُقال للدلالة على تشابه ما قد يظهر بين الابن وأبيه في مهارات أو صفات وتوجهات معينة ، كأن يكون الأب ماهراً في أمر ما فيكون المتوقع أن يظهر الابن كذلك ويشبه أباه بحكم قانون الجينات والوراثة ، كالإوز ما إن يظهر من البيض فسيكون أوزاً ولو تربى مع الدجاج أو غيره ، فهو يملك مهارة السباحة بحكم الجينات ، فما إن يرمي بنفسه في بحيرة أو بحرا ، إلا وجدته يسبح بمهارة .. وقس على هذا ، الصفات والتوجهات والأفكار ..

فما قصة اليوم ؟

   في عالم البشر يختلف الأمر نوعاً ما ، فالجينات والوراثة لا تتحكم بالأمر بالصورة التي عليها عالم الحيوان، أعزكم الله ، بسبب تميزنا بالعقل، الذي شرف الله بني آدم به عن مخلوقاته الأخرى .. هذا العقل ، ما إن ينضج ويهتدي ويعرف ويتميز ، فإن العوامل الوراثية ستكون تحت سيطرته بشكل كبير ، سواء شاء أن يعززها وينميها أو يتخلى عنها ولا يلقي لها بالا ، والأمثلة من عالم البشر كثيرة ، فليس دوماً ابن الوز سيكون عواماً في عالم البشر !!

  نبي الله نوح عليه السلام ، مكث عمراً طويلاً يدعو الناس إلى الإسلام ، فما آمن معه إلا قليل.. وسيعتقد البعض أن هذا القليل لابد أن جميع أهله منه ، بحكم أنه نبي وبيته بيت نبوة ورسالة ، فالمنطق أن كل من في هذا البيت بالضرورة سيكونون مسلمين ، باعتبار ما يسمعون من أبيهم الرسول النبي ويعرفون منه خبر السماء .. لكن يظهر الابن ليخالف الأب ، ليس في مسألة أو أكثر ، بل خالفه إلى أن مات كافراً  وهو ابن نبي !!

   أبوطالب ، أكثر من دافع عن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام والى آخر رمق في حياته ، لكنه مات كافراً ولم يسلم ، في حين أن ابنه علياً هو أحد العشرة المبشرين بالجنة .. الأب ظل سنوات يسمع من ابن أخيه أحاديث الحق وكان على قناعة بصدق النبي صلى الله عليه سلم ، لكن عقله في النهاية هداه إلى تغليب اعتبارات العصبية والقومية على الحق ، فمات كافراً ، في حين أن علياً الصبي ، بمجرد كلمات قليلة وفي زمن قصير ، هداه عقله إلى الحق والإيمان ، فما سار على درب أبيه وما كان للجينات والوراثة أي أثر ها هنا .. 

   قد تجد حولك عالماً فقيهاً بالدين يشار إليه بالبنان ، ولكن لا أحد من أبنائه سار في درب العلم والفقه ، بل ربما وجدتهم فقراء في هذا المجال ، وربما أيضاً وجدت أحدهم متذبذباً حتى في أداء صلواته ، وهو ابن عالم وفقيه ومن بيت علم ودين .. أو قد تجد الأب قمة في العلم الدنيوي، كأن يكون أستاذاً في الفيزياء أو الكيمياء أو غيرها من العلوم الطبيعية ، لكن قد تجد ابنه لا علاقة له بتلك المجالات من العلوم لا من قريب أو بعيد ، بل ربما وجدته قد تسرب من الإعدادية ! وعلى ذلك يمكنك التأمل في عالم المحترفين والمبدعين في النجارة أو الزخرفة أو الرسم أو غيرها من مجالات الإبداع ، لتجد أنه من النادر أن ترى تكراراً للمهارة في العائلة وبنفس الدقة ، في إشارة إلى أن الأمر ليس بتلك الدقة التي في المثل الذي نتحدث عنه .. 

   إذن الشاهد من الحديث ومما سبق من بعض الأمثلة البشرية ، هو أن الإنسان منا عالم قائم بذاته ، وما إن يصل إلى التمييز والإدراك ، فلا شيء يمكن أن يؤثر عليه إن هو لم يرغب فيه أو يسعى إليه طواعية وعن حب ورغبة وشغف .. فلا تقل لي : وراثة أو جينات أو بيئة محيطة أو غير ذلك .. إن الأمر كله كامن في عقل كل واحد منا ، حيث هناك تدار الأمور بدقة ، وقد تكون للعوامل سابقة الذكر بعض التأثير ، ولكن ليس كل التأثير ،  وربما لبعض الوقت ولكن من المؤكد أنه ليس كل الوقت .. فلا يحزن ويغتم أحدكم إن لم يتحقق له ما يتمناه في أبنائه ، فإنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ..    
  

ليست هناك تعليقات: