أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الأحد، 17 يوليو 2022

لسنا وحدنا في الكون

عرضت وكالة الفضاء الأميركية " ناسا " أربع صور جديدة للكون بدقة ووضوح عاليين، لمجرات وسدم وكواكب خارج المجموعة الشمسية، إلى الدرجة التي أعتبرها المشتغلون في علم الفلك أن كل صورة هي اكتشاف جديد، وكل لقطة تمنح البشرية رؤية أفضل للكون. حيث وصلت تلك الصور عبر تلسكوب " جيمس ويب " الذي بلغت تكلفته 10 مليارات دولار، ومهمته الأساسية استكشاف العصور المبكرة للكون. 

   وجد العلماء أنفسهم مضطرين قبل عدة سنوات إلى إعادة النظر في مصطلح الفضاء الذي يطلق على السماء الدنيا، بعد أن تبين لهم أن هذه السماء ليست فضاءً أو فراغاً كما كانوا يعتقدون، بل مساحة هائلة مليئة بالأجرام ومُحكمة البنيان ولا مجال لفراغ فيها. إذ بحسب العلماء المشتغلين في علوم الفلك، يولد حوالي 275 مليون نجم بشكل يومي في هذا الفضاء، وهذا الرقم الرهيب لعدد النجوم التي تولد كل يوم، دلالة على أن هذا الكون يتمدد ويتوسع كما ذكر ذلك القرآن في قوله تعالى (والسَّماء بنيناها بأيد وإنّا لمُوسِعـون). الصور الحديثة التي أرسلها ذلك التلسكوب العملاق، تشير وتؤكد إلى أن هذا المحيط الهائل من السواد فوقنا، هو بناء دقيق مُحكم أو هو أشبه بنسيج كوني محكم البناء ومترابط بشكل مذهل، مما دفعهم إلى تعديل المصطلح من فضاء إلى بناء، وهو ما أشار إليه القرآن في قوله تعالى (الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءً).

أهناك غيرنا بالكون؟ 

 مثل تلك الاكتشافات الفلكيةالعظيمة، تدفع بالبشرية بين الحين والآخر للتساؤل إن كان هناك غيرنا من الأحياء فيهذ الكون؟ إنه سؤال قديم متجدد.. فكما أنه أشغل أذهان القدماء، فهو الآن يشغل أذهان المعاصرين، وسيظل يشغل أذهان القادمين في مستقبل الأيام إلى ما شاء الله لهذه الحياة أن تدوم. فهل هناك غيرنا من الأحياء في هذا الكون؟
   هل من المنطق والعقل أن يكون هذا الكون وبهذه السعة الهائلة والمسافات الشاسعة بين نجومه ومجراته، وليس به أحياء أو دواب غير التي في كوكبنا، الذي هو مقارنة بأجرام كونية أخرى تم اكتشافها قديماً، وأخرى من تلك التي تم اكتشافها ونشر صورها قبل أيام، كحبة رمل أو أصغر في صحراء شاسعة ممتدة.

   من المنطقي أن هذا الكون الواسع الممتد لا يمكن أن يكون لأجل كوكب صغير عليه أحياء وجمادات. بل إن المنطق السليم لا يقبل بذلك، لأن الأكثر قبولاً وتوافقاً مع العقل، أن هناك وبشكل حتمي، مخلوقات أخرى في هذا الكون، وإن ليس شرطاً أن تكون مثل مخلوقات كوكبنا، بدليل قوله تعالى في سورة الشورى (ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة، وهو على جمعهم إذا يشاء قدير). 

  كلمة السر هاهنا نجدها في كلمة (دابة)، حيث قال المفسرون بأنها ما يدُبّ على الأرض، أي يمشي فيشمل الطير، لأن الطير يمشي إذا نزل، ويجوز أن تكون في بعض السماوات موجودات تدبّ فيها، فإن الكواكب من السماوات. الآية تشير إلى أن هناك دواباً أو كائنات تدب وتمشي على الأجرام المنتشرة ما بين السماوات والأرض، لكن ما نوعها وجنسها وطبيعتها؟ هذا ما لم يعرفه الإنسان بعد، فمبلغ علمه أن هناك إنساً وجان، وحيوانات مختلفة الأنواع، وأحياء ميكروسكوبية عديدة على كوكب الأرض، أما خارجه فالبحث مستمر. أما الزعم أنه لا حياة خارج الأرض لأنه لا ماء ولا أكسجين، فهذا لا ينفي وجود دواب وكائنات أخرى في كواكب المجموعة أو المجرة أو هذا الكون الفسيح، ربما لا تعتمد على الماء أو الأكسجين لتحيا كما الأحياء الأرضية.

هل الكون لنا فقط؟

  إن هذا الكون، الذي يبلغ من العمر حوالي 13 مليار سنة، لا يمكن بحسابات العقل والمنطق - كما أسلفنا - أن يكون طوال هذه المليارات من السنين، فارغاً من الأحياء أو المخلوقات، ينتظر ظهور سلالة بشرية لتعيش على كوكب فيه هو أصغر من الذر، مقارنة بأجرام سماوية عملاقة لا يمكن تخيل أحجامها. لا يشك أي عاقل ومتأمل في آيات الله الكثيرة، أن هذا الكون ليس للإنسان فقط، بل سيكون من غير المنطق أن يكون هذا الكون بضخامته واتساعه المستمر، لجنس البشر والجن فقط. إن مثل الاكتشافات التي نقرأ عنها بين الحين والآخر، لا يجب أن تؤخذ كترف فكري أو معلوماتي، بل يجب التأمل فيها ملياً، خاصة أن القرآن يحتوي على آيات كثيرة تدعو للتأمل والتفكر في خلق السماوات والأرض، وآيات أخرى تشير إلى أن الكون ليس للإنسان فقط، على الرغم من أن الله قد سخر الكون وما فيه لهذا الإنسان، لكن لا يعني ذلك فراغ هذا الكون من كائنات أو مخلوقات لم يبلغ العلم البشري بعدُ في معرفتها ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ). 

    لب الحديث، أن الاكتشافات العلمية والكم الهائل من المعلومات الفلكية المتدفقة بين الحين والحين، يجب أن تدفعنا بصورة وأخرى إلى التفكر فيها، والتعمق أكثر فأكثر في آيات الله المنظورة في هذا الكون، كما نتدبر آيات الله المقروءة في القرآن، مع أهمية متابعة العلماء والباحثين في هذا المجال، والعمل أثناء ذلك على صناعة نوع من الحرص في النفوس على أن نكون من ( الذين يذكرُون اللَّه قياماً وقعوداً وعلى جُنوبهم، ويتفكرون في خلْقِ السماوات والأَرض ) وأن نكون من الذين يرددون كلما رأوا آية من آيات الله حولنا وفي أنفسنا ( ربنا مَا خَلَقْتَ هذا باطلاً سبحانك فَقنا عذاب النَّار).

ليست هناك تعليقات: