لم
تكن ولن تكون هناك أعظم ولا أغرب من رحلة قام بها إنسان من لدن أبينا آدم إلى يوم
القيامة، مثل رحلة الإسراء والمعراج التي قام بها خير الخلق والبشر محمد، صلى الله
عليه وسلم، بمعية خير الملائكة وسيدهم، جبريل عليه السلام، من مكة إلى الأقصى
ليلاً، ومن ثم العروج معاً إلى السماوات العلا وما فوقها، مستخدمين دابة تسمى
البراق، لا نعرف طبيعتها، سوى أنها تضع قدمها حيث منتهى نظرها أو رؤيتها!
هي رحلة غير عادية، لتكريم إنسان غير عادي،
عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام. رحلة تكريمية في وقت ضاقت الدنيا على النبي الكريم
بما رحُبت. حيث الأذى المستمر والتضييق الشديد عليه وعلى أهله وعشيرته من جانب
عقول متحجرة وقلوب غليظة قاسية.. قلوب أبي جهل وأمية مع عتبة وعقبة، يشد أزرهم
أقرب المقربين للنبي الكريم، أبو لهب وزوجته حمالة الحطب.
في ظروف قاسية كتلك، يأتي التكريم والدعم
السماوي عبر أمر خارق لكل قوانين الكون ونواميسه. يبدأ التكريم والدعم برحلة أرضية
غاية في السرعة، من مكة إلى فلسطين، ليهبط في المسجد الأقصى – حرره الله من دنس
الصهاينة – ليجد بقدرة إلهية وقد تجمع الأنبياء والمرسلون ينتظرونه صلى الله عليه
وسلم، ليصلي بهم. حتى إذا ما انتهت الصلاة، استمر النبي الكريم مع صاحبه جبريل في
رحلة التكريم، لكنها سماوية والعروج إلى السماوات السبع وسدرة المنتهى ثم البيت
المعمور، وصولاً إلى نقطة نهائية غير مسموح لأي مخلوق تجاوزها، أو مقام معلوم يقف
عنده كل مخلوق، حتى وإن كان هذا المخلوق عظيم الملائكة وسيدهم، جبريل عليه السلام..
لينطلق محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، وحيداً للتشريف بلقاء
الله عز وجل، وما دار بينهما من أحاديث وتفاصيل، يمكن الرجوع إليها لمن أحب
الاستزادة، في كتب الأحاديث والتفاسير المختلفة.
الرحلة الكونية العجيبة هذه، معجزة لا يمكن
للعقل البشري أن يستوعبها بتفاصيلها الدقيقة، أو الخوض فيها كثيراً أو اخضاعها
لمحددات العقل البشري، التي من شأنها الدفع إلى الإنكار والشك والتكذيب، والدخول
في متاهات الكفر والعياذ بالله.
إن التقدم العلمي اليوم، لابد أنه سيكون عاملاً
مساعـداً على قبول وتصديق مثل هذه المعجزة. ذلك أن إنكار السفر عبر الفضاء لإنسان،
وبالسرعة التي كانت عليها رحلة الإسراء والمعراج، لم يكن بالأمر السهل أن يتجاوزه
عقل البدوي في وقتها، لكن اليوم الأمر يختلف، باعتبار أن الإنسان بعلمه المحدود
جداً مقارنة بعلم الله المطلق، استطاع مثلاً أن يخترع مركبة فضائية
في طريقها الآن إلى كوكب زحل، وتصل سرعتها إلى 265 ألف كيلومتر بالساعة. فإذا
استطاع الإنسان اختراع آلة بهذه السرعة الرهيبة، فكيف لا يتم تصديق سرعة البراق،
الذي امتطاه النبي الكريم وصاحبه جبريل عليه السلام في رحلة الإسراء والمعراج،
وقطع المسافات الشاسعة في زمن قليل؟
د. أحمد زويل |
الرحلة كما أسلفنا، معجزة أراد الله بها دعم نبيه أمام المكذبين المنكرين من قومه.
أعطاه الله وأكرمه بمعجزة قطع المسافات الهائلة في زمن لا يمكن استيعابه بالعقل
البشري في ذاك الوقت، وإن كان عدم الاستيعاب مستمر إلى اليوم عند البعض، على الرغم
من قدرة الإنسان في الوصول إلى اختراعات هائلة في مجال السرعات وقياس المسافات، مثل
الاختراع الذي وصل إليه الفيزيائي المسلم الراحل أحمد زويل وفريق من علماء
أمريكان، المسمى (فيمتو ثانية) وهو نظام قادر على
التصوير بسرعة عالية جداً، وبه يمكن رؤية حركة الذرات في المواد..
د.صبري دمرداش |
الإسراء والمعراج
إذن، حدث كوني وقع في ( اللازمن ) كما يقول العالم الرباني الراحل صبري دمرداش..
وقع الحدث بقدرة الله المطلقة، حيث تتعطل وفق المشيئة الإلهية كل القوانين
والأبعاد الكونية المعروفة، فلا زمن ولا مسافات. رأى خلالها النبي من آيات ربه
الكبرى.. وبعبارة أخرى، سافر الحبيب إلى المستقبل ورأى الجنة والنار والكثير
الكثير من المشاهد، ثم عاد إلى بيته في مكة ولا يزال فراشه دافئاً كما تقول أم هانئ
بنت عم الرسول صلى الله عليه وسلم، التي كان الحبيب قد نام ببيتها ليلة الإسراء..
فأي قوة هذه تأخذ بإنسان من مكة الى فلسطين ثم العروج به للسموات وما بعدها
والعودة به إلى بيته، ويبقى الفراش دافئاً لم يبرد؟ لا شك أنها قوة مطلقة، كما يقول الشيخ
الشعراوي رحمه الله.. فإن قطع المسافات يأخذ من الزمن على قدر عكس القوة المتمثلة
في السرعة، أي أن الزمن يتناسب تناسباً عكسياً مع القوة. فلو أردنا مثلاً الذهاب
إلى المدينة المنورة، سيختلف الزمن لو سرنا على الأقدام عنه إذا ركبنا سيارة أو
طائرة. فكلّما زادت القوة قلّ الزمن، فما بالك لو نُسب الفعلُ والسرعةُ إلى الله
تعالى؟ فإذا كان الفعل من الله فلا زمنَ، أي إنها رحلة خلت من الزمن، لأنك حين
تنسب الفعل إلى فاعله يجب أن تعطيه من الزمن على قدر قوة الفاعل.
المساحة لا تتسع لكثير شروحات وتفصيلات في هذا
الحدث الكوني العجيب، الذي كلما قرأ أحدنا فيه وبحث وتأمل، ازداد إيماناً وخشوعاً،
خاصة أننا نعيش عصر الفضاء والفيزياء وعصر السرعات الهائلة، على عكس أيام النبي
الكريم وصحبه، وعلى رأس الصحابة جميعاً أبوبكر، الذي آمن وصدّق بالحدث دون أي نقاش
أو شك، ولم يكن عنده يومذاك ما عندنا من علوم الفيزياء والفلك وغيرها..
إن الإسراء والمعراج، حدثٌ نتذكره كل عام، لا
لنختلف في تفصيلاته، بقدر ما هو مناسبة طيبة، وفرصة لتعميق الإيمان وزيادة الحب
لهذا النبي الكريم العظيم، عليه وعلى آله وصحبه أفضل السلام وأزكى التسليم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق