جميل أن تكون لدى المرء منا
القدرة على اكتشاف أخطائه ، والأجمل من تلك القدرة ، أن تكون لديه الشجاعة
والاعتراف بالخطأ ، والأجمل من السابقتين ، أن يعزم على علاج الخطأ والبحث عن
أسباب الإخفاق التي أوقعته في الخطأ ، فالأصل أن الإنسان لا يجب أن يُلدغ من الجحر
نفسه مرتين ، وعلى هذا المبدأ تسير عمليات تصحيح ومعالجة الأخطاء ، ولكن مع ذلك
تجد كثيرين عكس ما نتحدث عنه الآن ..
الشيخ محمد الغزالي رحمه الله قال في السياق نفسه
بأن : "ما يثير الحسرة، هو رفض دراسة الأخطاء التي تورط فيها بعضنا، ولحقت
بنا من جرائها خسائر فادحة.. الأخطاء لا تخدش التقوى والقيادات العظيمة ليست
معصومة ولا يهز مكانتها أن تجيء النتائج عكس تقديراتها.. إنما الذي يطيح بالمكانة
هو تجاهل الخطأ ونقله من الأمس إلى اليوم وإلى الغد..." .
مشاكلنا
في كثير من المواقع الإدارية يمكن تلخيصها في أن مرتكبي الأخطاء ، وعلى وجه أخص في
مرتبة القيادات ، هي عدم الاعتراف بالخطأ ،
حتى لو ثبت وتبين الأمر ومن هو المخطئ والمصيب ، حيث يظل المخطئ يدافع عن نفسه
ويحاول التنصل والتبرير إلى آخر شحنة من طاقة يتمتع بها ، ويظل يجادل ويظل متنقلاً
في مواقع الدفاع من موقع التبرير إلى الجدال، ومن ثم إلى المِراء حتى ينتهي به
الأمر إلى العناد، فإن وصل المرء إلى العناد، فعليه وعلى من معه السلام !
في ظني
أن السبب في ذلك يعود إلى العقلية أو التربية التي نشأنا عليها.. فلا يوجد في
ثقافتنا المعاصرة ما يدعو إلى قيمة الاعتراف بالخطأ في مواقف استكشاف الحقيقة .. وهذا ما يدعو إلى
أهمية التغيير التدريجي ونشر تلك القيمة وتعزيزها بالنفوس حتى نجد ذلك المرء منا
ينتقل، بفعل تلك القيمة الراقية العالية، من عقلية التبرير إلى عقلية دراسة أسباب التقصير، والاتصاف بروح الشجاعة التي ترفض الكذب وتتجه
إلى الاعتراف بالخطأ ، من باب أن هذا الاعتراف فضيلة وخُلق عال راق.
إن
من الحكمة بعد الإقرار بالخطأ في الوقت
المناسب ، البدء الفوري الصادق في التصحيح ، لتكتمل عملية الاصلاح ، فلا يكفي
الاعتراف بالخطأ دون التصحيح ، ولا التصحيح دون معرفة المخطئ والمتسبب في المشكلة
، فإن عملية التصحيح ستتعثر بسبب أن قابلية ارتكاب المخطئ للخطأ مرة أخرى ، ستظل
كبيرة وبالتالي يستمر الجميع في دوران لا ينتهي ،
كمن يحرث في بحر .. وأنظر ما يحصده حارث البحر ..