ربما صادفت فقيراً
أو مسكيناً ذا متربة، وقد بدأ يشرح لك حاله ومعتبراً نفسه من أسعد خلق الله، وربما
وجدت مريضاً يعاني الآلام، لكنه في قرارة نفسه سعيد بما عليه لاعتبارات إيمانية
عميقة. وهكذا قد تجد أناساً
كثيرين في حياتك مختلفين في الأحوال والمعاش، يبدون لك ويصفون جوانب من أحوالهم
عكس ما أنت ترى !
قد تتساءل عن السبب، فتجد
أنه كامن في القلوب، بمعنى أن سعادتهم رغم قسوة وصعوبة حالاتهم، سببها مفاهيم
وقناعات استقرت بالنفوس، ملخصها أن سعادة المرء إنما هي حالة وجدانية نتيجة اقتناع
داخلي في الإنسان بما عليه من حال، بغض النظر عن ماهية ذلك الحال، فقراً كان أم
غنى، صحة كانت أم مرضاً، خوفاً أم أمناً، جوعاً أم شبعاً، إلى آخر قائمة الأضداد
الحياتية المعروفة.
نقطة أخرى مهمة في هذا
السياق، هي أن الإنسان نفسه هو من يجلب لنفسه السعادة ويصنعها إن قرر ذلك، ويصنع التعاسة
كذلك إن هو سمح لها بتعكير حياته. بمعنى أنك حين تستحضر أمامك الأفكار الإيجابية
وأفكار الفرح والسعادة والبهجة والسرور، فلا بد أن سلوكياتك ستتأثر بها قطعاً
بصورة وأخرى، وبالمثل لو سمحت لأفكار التعاسة واليأس والإحباط والكآبة أن تنسل الى
نفسك وعقلك الباطن، فإنك ستسلك مسلك اليائس المحبط التعيس، وهكذا .
خلاصة ما ندعو إليه أن تكون دوماً سيد قرارك،
فإن كثيراً من تصرفاتنا إنما نتيجة حالات
ذهنية نصنعها بأنفسنا فتتحول إلى سلوكيات وتصرفات. تأكد أنه لا أحد بمقدوره أن
يفرض عليك حالات التعاسة أو السعادة ما لم تقبلها أنت.
قد تمر بحالات وجدانية معينة بسبب آخرين وتؤثر
على سعادتك أو تعاستك، لكن حتى تلك الحالات أنت من قرر قبولها لا شعورياً بادئ
الأمر، ربما لقوة المؤثر، ولكن مع ذلك، إن عزمت وتوكلت على الله واستجمعت قواك، يمكنك التخلص من ذلك تدريجياً، بعدم الرضوخ والركون والاستسلام، بعد أن توقن تمام اليقين بأن
كل شيء في حالة تبدل وتغير مستمرين، ولا خلود لشيء في هذه العاجلة، سوى وجه ربك ذي الجلال والإكرام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق