
من هنا يعلمنا حضرة الرسول
الكريم صلى الله عليه وسلم أن ننظر إلى الأمور بنظرة شاملة، خاصة حين نأتي ونحكم
على الناس ونبدي رأيا في شان من شؤونهم .. لا يجب أن تضيق الآفاق في الأمور ،
ونتفاعل مع موقف واحد يبدر من شخص ، فننسى أو نتناسى مواقف عديدة جميلة شريفة له
أو لها ، وننجرف وراء العاطفة اللحظية فنظلم الناس .. هذا درس أول .

الشاهد
من الحديث أن مثل هذه المفاهيم شبه غائبة عن مواقع العمل الكثيرة وعن القيادات
وأصحاب اتخاذ القرار، فقد تجد أحدهم يكد ويجتهد ويبذل الجهد ويبدع في عمله، لكنه
في يوم ما يخطئ خطأ معيناً أو تصدر عنه سلبية ، فتقوم قيامة المسؤول الذي تتحكم
فيه العاطفة حينها، فيتخذ عقوبة بحق ذاك المبدع المجتهد أو ما شابه من الأحكام ،
التي غالباً ما تكون قاسية مؤثرة بسبب تأثير العاطفة اللحظية على القرار، دون أن تكون
لسوابقه أو ماضيه الجميل أهمية ما ، أو أن يدع ذاك المسؤول تلك الجمائل تلعب دور
الوسيط أو الشفيع مع صاحبها ، كما كان من حضرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ،
وهو يتعامل مع قضية خطيرة كبيرة قام بها واحد من صحابته.
هذه مشكلتنا في الإدارة
العربية بشكل عام.. فالأهواء والمزاجية من سماتها، وسرعة اتخاذ القرار ، حين لا
يتطلب الموقف السرعة ، مظهرٌ بارز من مظاهرها .. هكذا الأمور عند بعض القيادات
الإدارية ، مختلطة مشوشة ، وبسببها تضيع الحقوق، ويندثر المجتهدون، ويسود الإحباط.
هذا درس واحد من آلاف الدروس التي يمكن استحضارها
من السيرة النبوية العظيمة ، كلما جاءت مناسبة نتذكرها وصاحبها عليه أشرف الصلوات
وأزكى التسليم . إن دروس السيرة النبوية الكريمة عديدة ومتنوعة ، تنفعنا في
الإدارة والسياسة وقيادة الرجال. وكلما تمعن أحدنا في السيرة الشريفة ، كلما
استخرج الدرس تلو الآخر، وفطِن إلى أمور لم يكن يدركها إلا بعد أن يكون قد قرأ قصة
أو حادثاً وقع في حياته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه والناس. وتلك أهم الأسباب
الداعية لقراءة ودراسة سيرته صلى الله عليه وسلم، فإنها ليست قصصا تروى، بل دروسا
تُعطى، ومنهجاً يسير عليه الراغبون في الصلاح والإصلاح ، والتربية والتنمية .. فهل نفعل أيها القادة
وأصحاب القرار؟