ما إن يقترب فصل الشتاء عندنا في قطر والخليج بشكل عام ، حتى يبدأ الحديث عن المطر والأجواء الماطرة الباعثة على الحياة والانتعاش ، من بعد صيف قائظ جاف قاحل ، وتكثر إثر ذلك دعــوات الأئـمة في المساجد أن يرزقنا الله الغيث وألا يجعلنا من القانطين ، فتقوم وزارات الأوقاف مشكورة بالدعوة إلى صـلاة الاستسقاء مـرة أو مرتين بحسب نزول أو تأخر الغيث ..
لكن لو تساءلنا وقلنا : هل نحتاج إلى الغيث فعلاً
؟
قديماً كان الاعتماد على الغيث كبيراً ، فقد كان يؤثر على مخزون
المياه الجوفية والآبار، التي كانت مصدراً رئيسياً يشرب منه الناس وكذلك الحيوان
أعزكم الله ، وتنتعش البراري بعد نزوله وتخضرّ وتبتهج المواشي بالرعي ، فتسمن تبعاً
لذلك وتجلب الخير لأصحابها ، وبالمثل أصحاب المزارع . . لكن الظروف اختلفت اليوم ،
فهل ما زلنا بحاجة لهذا الماء النازل من السماء وخصوصاً في دول غير زراعية أساساً
كدولنا الخليجية ؟
اليوم ،
منا من يتشاءم حين تتشكل الغيوم والسحب الداكنة ، لأنه صاحب تجارة ومخازن وبضائع يخشى عليها من
التلف بسبب المياه ، ومنا من يشتغل في مشروعات البناء أو الطرق أو غيرها من
مشروعات مكشوفة للسماء ، تنكشف زيفها وغشها مع استمرار نزول الماء من السماء .. وإضافة
إلى أولئك المتشائمين ، لم نعد اليوم كما قلنا آنفاً، نعتمد على مياه الأمطار في الشرب ، لأن البحر
ومياهه المحلاة صار البديل الأفضل ويتوفر طوال العام ، والمراعي ما عادت للمواشي
مهمة ، لأن الأعلاف تأتينا من كل مكان طوال العام أيضاً .. أما المزروعات ، فلسنا
منطقة زراعية لكي نأكل مما نزرع ، فالخيرات تصلنا من كل أرجاء الأرض ولله الحمد والمنّة..
فلماذا نسأل الغيث ونصلي الاستسقاء إذن ؟
كل المسألة في حقيقة الأمر أحسبها كامنة في
حب التأسي والاقتداء بالسنة الشريفة وخير البشر محمد ، عليه الصلاة والسلام ، حيث
يأمل الجميع ويرجو نيل ثواب ذاك التأسي والاقتداء ، ليس إلا .. ولمثل تلكم الغايات
فقط ، أحسبنا نصلي لله ونسأله الغيث ولو
كره الكارهون والمتشائمون وبعض التجار والمقاولين ..