المثل
العامي يقول في مسألة إتيان الخير ونسيانه: اعمل الخير وارمه في البحر، أو هكذا
تقول العامة في أمثالهم الشعبية الحكيمة، وإن اختلفت التعابير والمصطلحات بحسب
المجتمعات، هذا المثل واضح أنه يدعو إلى بذل الخير والمعروف للآخرين، والمساهمة
الفاعلة في المجتمع عبر الأفعال والأقوال، كتخفيف الآلام وتفريج الكربات ومساعدة
المحتاجين وغيرها من أعمال البر والإصلاح والخير، من دون أن يكون انتظارك لكلمة
شكر أو ثناء عائقاً في سبيل تقديم المزيد والمزيد.
من المهم في هذه المسألة، مدار حديثنا اليوم،
أن ندرك تماماً بأن الأصل فيها أن تقوم بعمل الخير والصالح من الأعمال مع الآخرين
لهدف واحد لا يجب أن يشاركه هدف آخر، هو إرضاء الله عز وجل، وأن تأمل وتتمنى فيما
يأتي من بعد رضا الله عليك، والمتمثل في جملة أمور هي غاية وطموح كل مسلم، وتتمثل
في ثناء الرب جل وعلا عليك عند الملأ الأعلى، وتغاضيه عن ذنوبك، وبالتالي دخول
الجنة والنجاة من النار، هل هناك أكثر من هذا؟
هذا الكلام لمن يوقن بالآخرة وبالبعث والحساب وقلبه مطمئن
بالإيمان، ولكنّ هناك آخرين غير ذلك، ولا يقنعهم مثل هذا الحديث، أعني أنهم إلى
الماديات والمحسوسات أقرب، وأكثر تصديقاً من الغيبيات، بمعنى أنك تريد إقناعهم
بالاستمرار على تقديم الخير والبذل والعطاء بأمور محسوسة غير تلك الغيبية غير
المحسوسة، ولأن هناك كثيرين أيضاً من المؤمنين تأخذهم الدنيا أحياناً وينسون الغد
وهو الأهم فيما نقوم به من أعمال دنيوية.
أقول بشكل عام، إن انتظار
الشكر والمديح والثناء من الذي تقدم له معروفاً أو خيراً، يكون سبباً رئيسياً في
أحيان كثيرة في التوقف واليأس أو الشعور بعدم جدوى ما تقوم به، خصوصا أن النفس
الأمارة بالسوء مع القرين السيئ يدخلان من هذا الباب، ويعملان عملهما في دفعك إلى
عدم السعي في هذا الطريق وأنك كمن يحرث في البحر!!
أنت في حياتك لا بد أن تثق تماماً في أن ما
تقوم به من الخير والسعي في حاجة الآخرين، إنما هو لنيل رضا الله كما أسلفنا، ومن
ثم إشباع لرغبة داخلية أصيلة فيك متمثلة في الإحساس بالسعادة، التي تتكون بأعماقك
حين يسعد الآخرون، قد لا تشعر بهذه الرغبة بشكل مباشر، ولكنها موجودة متأصلة فيك،
ولا تشعر بها إلا حين تبدأ فعلياً في ممارسة أمور هي بمثابة المحركات والدافعات
للإحساس بالسعادة الكامنة فيك، والمتمثلة في أعمال الخير.
لهذا أقول وأكرر: افعل الخير قدر المستطاع،
ولا تنتظر الثناء والشكر من أحد، فالسعادة الحقيقية هي في عمل الخير بنفس راضية،
مع رجاء نيل الأجر من أصل الخير وهو الله سبحانه، جرّب هذا عملياً بالقول أو الفعل
وأسعد نفسك.