المستحيل.. كلمة توحي لسامعها أو قائلها بأنه لا أمل ولا فائدة من أمر ما ، وليس في الأفق ما يشير إلى إمكانية النجاح أو تحقيق إنجاز ، وبالتالي لا ترتجى نتائج . وبمعنى آخر، المستحيل، كلمة تريد أن تقول لك : لا تحاول ولا تتعب نفسك، فما تعمل لأجله لا ينفع ولا يأتي بخير. وبمعنى ثالث، أنك تحرث البحر وأن ما تفكر فيه أو تعمل عليه ولأجله ستكون النهاية المتوقعة هي التصادم بهذا المستحيل، أي استحالة أن يحدث ما تفكر فيه !
هذه المقدمة الفلسفية ستقودنا إلى التعرف على ماهية هذا المستحيل وإن صح التعبير ، هل هناك مستحيل في حياتنا الدنيا ؟ بالطبع لو تأملت وتفكرت فيما حولك ، لخرجت بنتيجة مفادها أن هناك أمورا هي المستحيل ذاته، فيما أخرى لا يمكن أن تدخل تحت قائمة هذا الأمر. خذ الموت مثالا. إنه حق واقع لا مفر منه، والهروب منه هو المستحيل.. وبالمثل هناك الهرم أو بلوغ سن معينة لا تنفع معها كل مساحيق التجميل أو مقويات البدن الطبية أو العشبية في وقف مظاهر تلك السن ووقف ساعة الحياة.
ليست تلك الأمور والحقائق تعنيني الآن، لأنها مسلمات وحقائق كونية، والحديث عنها وحولها من قبيل إضاعة الوقت وتشتيت الفكر والجهد. لكن ما أعني بالحديث عن المستحيل في حياتنا، هي تلك الأمور التي نصطنع نحن العراقيل أمام أنفسنا لتبرير عدم القيام بها.. إذ حين لا يرغب أحدنا في السير بمشروع معين في حياته أو أنه مجبر عليه أو مكره ، تجده يبرر لنفسه أولا ومن ثم لغيره بأن من المستحيل القيام به والسير فيه، لأن هناك كذا وكذا وكذا، وهذا هو الانهزام لا غيره.
لو أن الإسكندر المقدوني في فتوحاته أو خالد بن الوليد في مؤتة أو نابليون في توسعاته، لو أن هذه النماذج من الرجال تفكروا في معنى المستحيل بالشكل الذي هو سائد عند كثيرين اليوم، لما كان لهم صيت وسمعة في التاريخ.. أولئك الرجال ما صار لهم هذا الصيت التاريخي إلا لأنهم خاصموا المستحيل، فكانت العاقبة أن احتضنهم التاريخ وسجل أسماءهم في صفحاته الذهبية.
اليأس والإحباط هما أبرز نتائج سيطرة شعور المستحيل على النفس أو الرضوخ له، لأن المسألة ليست في قول كلمة مستحيل لأمر ما، بل فيما يحدث بعد ذلك من شعور بالإحباط واليأس، لأنك تعرف أنك تخادع نفسك وتعلم أنه لا مستحيل، فتبدأ تلوم نفسك وتعيش صراعا كنت في غنى عنه.
خلاصة ما أدعو إليه أن يكون أحدنا صاحب إرادة وهمة عالية في كافة أموره وشؤونه. لا تقل لأمر إنه مستحيل قبل أن تتخذ كافة الأسباب والإمكانات. وما لم يكن الذي أنت أمامه حقيقة من حقائق الكون المسلمة التي لا نقاش حولها كالأمثلة التي ذكرناها آنفا، فإنه لا يوجد بعدها ما نقول عنه مستحيل .
تفكر فيما مضى من عمرك وما هو آت بإذن الله، وانظر كم ضاعت منك أمور ذات فوائد عديدة كانت لتعود عليك لولا أنك رضخت لمشاعر المستحيل أو هذا المفهوم، دون تمعن منك فيه كبير، فبررت لنفسك عدم اتخاذك كافة الأسباب لأجل بلوغ الهدف، فقلت لنفسك وللناس، هذا مستحيل فضعت وضاعت منك الفرص.. فهل ما زلت بعد هذا تكرر الكلمة وتشعر بها ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق