تأمّل قول الله تعالى: ( وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي
النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ
تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنْ النَّارِ * قَالَ
الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ
الْعِبَادِ ).. ظني أنه سيتبادر إلى ذهنك مشهد فيه الكثير من الندم، يمكنك أن تطلق
عليه مشهد الحسرة والندامة إن صح التعبير، وهو مشهد سيكون بين فريقين من أهل النار
-أعاذنا الله وإياكم منها- فريق دعاة الكفر والشرك والضلال، وفريق الأتباع، الذين
اتبعوا زعماءهم وسلاطينهم دونما تفكير في حق وباطل، فكانت النتيجة أن اجتمع
الفريقان في النار وبقية القصة المعروفة.
ربما الآية الكريمة إشارة قرآنية تدعو إلى أهمية
اتباع الحق وليس الرجال -على صورهم المختلفة- قادة، ساسة، زعماء، ملوك، سلاطين،
ومن على شاكلتهم.. الحق والحق فقط، هو الذي سينجيك، وإن قل عدد تابعيه، فيما
الباطل يخذلك دون شك، وإن كثر عدد تابعيه، فاختر ما شئت، فما زال القرار بيدك، إما
إلى جنة أو نار.
الحوار الجهنمي - حوار الحسرة والندامة - هو نتيجة
نهائية لصراع بشري كان وما زال وسيكون إلى يوم الدين، بين فريقين أساسيين، وإن بدا
ظاهرياً أنهما متفقان، فريق القيادة وفريق الأتباع.. فالخلاف الحاد الحقيقي الفعلي
سيظهر بينهما في حياة أخروية هي ما أشارت إلى جزئية منها الآية الكريمة المذكورة
أعلاه.
فريق القيادة أو الزعامات يدعو إلى مبادئ وأفكار
ومعتقدات، بغض النظر عن صحتها من عدمها، وفريق الأتباع يسير خلف الأول ماشياً
حيناً، ومهرولاً حيناً آخر ويتسارع في اعتناق مبادئ وأفكار ومعتقدات الأول، دونما
كثير تمحيص، لأنه إنما يفعل ذلك رغبة أو رهبة.. رغبة في الحصول على بعض ما عند
الأول من نعيم مادي مزعوم لا يدوم، أو رهبة مما قد ينتج عن زعماء الفريق القيادي
من تهور في السلوك على شكل تعذيب نفسي أو جسماني متنوع وخسائر مادية أخرى لا يرغب
الأتباع رؤيتها واقعاً متجسداً أمامهم، فليس من بد إذن، سوى اتباع القيادة، حتى
النهاية !
مشاهد من الصراع بين فريقين، فريق يدفع ويضغط على
الآخر لأن يتبعه ويسلم بذلك، وفريق يضغط ولكن على نفسه كيلا يواجه الأول بسبب قوته
وبأسه، وخوفه من فقد مزايا مزيفة.. ثم بعد تلك المشاهد، يظهر التلاوم الحقيقي بين
الفريقين، ولكن بعد فوات الأوان.. الأتباع يلومون القادة والزعماء لأنهم السبب
فيما هم عليه من بؤس في نار جهنم، ويسألونهم إن كان ما زال بيدهم حيلة أو وسيلة
كما كانوا بالدنيا، يستطيعون بها إنقاذهم وأنفسهم مما هم جميعاً فيه!! ولكن لا
حياة لمن تنادي، فترتفع أصواتهم ساعتئذ ) وَقَالُوا
رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ *
رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (
هكذا إذن النتيجة النهائية.. وهكذا حال من يعطل
حواسه وعقله ويتبع أهواء غيره، ويغتر بالكثرة وبالمال والقوة المادية عند البعض،
فيقرر الاتباع دون قليل تأمل وتدبر خطورة الأمر، وهو ما يشجع ويعزز الفريق الأول
في الاستمرار على نهجه، منطلقاً من وهم وغرور السيطرة وهو يرى عدد متابعيه يزداد،
فيتجبر ويتكبر ويزداد غياً حتى تكون نهايته أليمة هو أيضاً، حيث الحسرة والندامة..
وبئست النهاية تلك.