عملية اختيار القادة والرؤساء ليست سهلة إن جئنا للمعايير التي يجب على أساسها أن يتم الاختيار .. ولعل في التاريخ من الدروس والمشاهد والوقائع ما تفيدنا في عصرنا هذا ونحن نواجه أزمة حقيقية في اختيار القادة والرؤساء والمسؤولين ..
في معركة ذات السلاسل، كان الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه أميراً على سرية أرسلها حضرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لتأديب قبيلة من القبائل العربية التي شاركت في موقعة الأحزاب، وكان في جيش عمرو كبار الصحابة، منهم أبوبكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وغيرهما من السابقين إلى الإسلام.
تولى عمرو قيادة السرية ولم تمض خمسة أشهر على إسلامه، ورغم ذلك أعطاه حضرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم القيادة في وجود كبار الصحابة والسابقين.. وكانت الفكرة من هذا القرار أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يعطي دروساً عملية لأصحابه في كيفية اختيار القادة مستقبلاً، فقد كان يرى غير ما يراه الآخرون، حيث رأى في عمرو الحس العسكري والدهاء السياسي والقدرة على تنفيذ التعليمات وبالتالي تحقيق الأهداف بدقة بالغة.
خروج السرية كان في طقس بارد، وقد أمر عمرو أفراد السرية ألا يشعلوا النار بالليل رغم البرد القارس، مهما تكن الظروف. ورغم اعتراض كثيرين على ذلك إلا أنهم في النهاية التزموا بتعليمات القائد. ووقعت المعركة بينهم وبين القبيلة التي كانوا يقصدون تأديبها والتي كان عدد أفرادها أكثر من مائة ألف، وانتصر عمرو وطارد الكفار لفترة قصيرة لكنه لم يستمر في مطاردتهم، فاعترض الصحابة على ذلك وتعجبوا من قراره مرة أخرى..
حين رجع بالسرية إلى المدينة قام بعض الصحابة برفع شكوى إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على عمرو بسبب قراراته ، وتوقعوا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم في صفهم، لكن العكس قد حصل! فقد تفهّم النبي صلى الله عليه وسلم قرارات عمرو، وعرف أنها صحيحة ، بل كان فيها بُعد نظر ودهاء عسكري كما توقعه صلى الله عليه وسلم .. فقد كان عمرو رضي الله عنه يهدف إلى تحقيق المطلوب دون أي خسارة في الأرواح كما كانت التعليمات ، وقد حصل ذلك.
الشاهد من الحديث أن اختيار القيادات ليس شرطاً فيه السن أو الخبرة أو عوامل أخرى ننظر إليها ونحن نختار القادة والرؤساء والمسؤولين.
الأصل أن نختار الشخص لسمات معينة فيه تخدم الغايات وبه تتحقق الأهداف. ومثالنا خير دليل على ذلك، فعمرو بن العاص كان حديث عهد بالإسلام وأصغر من كثيرين من الصحابة السابقين المقربين إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك تم تعيينه قائداً للسرية..
العمر ليس ذلك العامل الحاسم في مسألة اختيار القادة، وكذلك مدة العمل، لأن القيادة فطرة وموهبة، وحين يُراد استثمارها لتحقيق أهداف وغايات، فمن الممكن أن يتم ذلك في وقت قصير جداً دون الالتفات إلى السن أو الخبرة العملية. وفي سيرة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم الكثير من الدروس الإدارية التي تنفع أصحاب القرار اليوم وكل يوم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق