أن تفكر وتخطط لنفسك في حياة لا مشكلات فيها ولا توترات، ولا هموم ولا غموم، فأنت ها هنا تطلب وتخطط لما يمكن أن نسميه بالمستحيل، لماذا؟ لأنك تخالف أساساً حقيقة هذه الحياة، التي ما جعلها الخالق موطناً لراحة أو سعادة، باعتبار أن هناك حياة أخرى أساسها السعادة والأصل فيها الراحة وهدوء الأعصاب.
إن حياة بلا مشكلات أو منغصات ومقلقات، هي بمثابة طلب الفردوس الأعلى، حيث لا كدر ولا هم أو غم، ولا مشكلات ولا روتين، أو من ينغص عليك معيشتك ومزاجك، لا رئيس «يطفشك» ولا مرؤوس يجلب لك الضغط، أو عيال يجلبون لك الجنون، أو زحمة مرور تقضي على ما بقي لديك من عقل وصبر.. وهذا أمر مستبعد وقوعه في مثل حياتنا الدنيا كما أسلفنا قبل قليل.
تحدث لك مشكلات في عملك، فتقرر الخروج منه والبحث عن عمل آخر وفي موقع آخر، وكلك أمل أن تقل المشكلات أو تختفي.. نعم يمكن أن تحقق مرادك، فتعمل في موقع جديد وتسير الأمور على أفضل شكل، ولكن ما إن تنقضي فترة من الدهر ليست بطويلة، إذ بمشكلة تطل برأسها عليك، وسرعان ما تتطور الأمور فتطل أخرى وثالثة وعاشرة.المشكلات القديمة هي نفسها تتكرر لكن بوجوه جديدة وسيناريوهات مختلفة وفي موقع جغرافي آخر!
لا تظن أنك تبتعد عن المشكلات بابتعادك عن الموقع الجغرافي. لا، ليس هذا هو الحل ولن يكون كذلك، لأن الإنسان طالما أنه يعيش في وسط إنساني بشري، فلا بد أنه يتأثر بما عند الآخرين وما فيهم. وقد يتساءل أحدكم وهو يعيش هذه المعاناة ويقول: ما الحل إذن؟
إنه باختصار شديد، كامن في فهم الحياة التي نعيشها، وفهم مفرداتها وأهمها البشر.. حين تفهم طبائع من حولك وتعرف كيف تسير الأمور في هذه الحياة، وتتيقن تمام اليقين بمسألة القدر بخيره وشره، فإنك ستهدأ وستعرف كيفية التعامل مع جزئيات وتفاصيل حياتك.
حين تكون قنوعاً بعد ذلك الفهم للحياة، وتتحول لصاحب صدر واسع مليء بحب الدنيا، ليس ذاك الحب الطاغي على غيره، فتغرق فيه وتنسى آخرتك، ولكن ذاك الذي قالت به الآية الكريمة «ولا تنس نصيبك من الدنيا».
افهم الحياة، وكن قنوعاً بما في يدك وما تحصل عليه وما يجيء لك من السماء، ستكون أسعد البشر وربما أحكمهم، في عالم صارت الحكمة تضيع في متاهاته، وصار من يحصل عليها بمثابة ملك زمانه وإن كان دون تتويج أو تيجان وحرس وحشم ورسميات بلا حدود..
فهل أنت ذاك الملك غير المتوج؟
أرجو ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق