أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الخميس، 6 أبريل 2017

كيف يكون الماءُ شفاءً للناس ؟

  الماء هو المكون الأساسي لكل شيء حي، وعنصر لازم وفعال فيما يحدث من تفاعلات داخل الجسم. فهو إما وسط ناقل أو عامل مساعد أو داخل في هذا التفاعل أو ناتج عنه. أي إن له صلة بالعمليات الحيوية بصورة أو أخرى، ما يفيد أهمية هذا العنصر في الأجسام الحية. لكن أغلبنا اليوم صار يشرب مياهاً ميتة ! وقد تتساءل وتقول كيف؟

   يقول علماء الأحياء بأن الماء الذي ينساب من على الجبال مثلاً، مروراً بأودية وسهول ومنحنيات كثيرة ودون ضغوط خارجية أو مواد كيماوية مختلطة به، فإن أثره على الجسم أكثر فاعلية من تلك المياه التي نشربها بالبيوت، التي تسير في رحلة عنيفة من مصادرها الأساسية إلى المصافي، حيث الترشيح والتنظيف والكيماويات، ثم دفعه وضغطه في أنابيب متنوعة الأحجام في رحلة أخرى طويلة لمئات أو آلاف الكيلومترات حتى تصل البيوت.. لا شك أن هذا الماء يصل وقد بلغ حد الإنهاك، إن صح التعبير، وفقد طاقته طوال تلك الرحلة الطويلة، وبالتالي أصبح ميتاً تقريباً قبيل دخوله أجسامنا !
   إضافة إلى ما يتعرض له الماء في رحلته العنيفة الطويلة والذكريات المؤلمة خلالها، يصلنا هذا الماء ليستقر في خزانات وأنابيب داخل البيوت، ليدخل بيئة جديدة ويتأثر بمشاعـر البشر المختلطة، لاسيما السلبية منها، فيتلوث أكثر من ناحية تركيبته، عبر امتصاصه لمشاعر مختلطة من الأحقاد والكراهية والضجيج من حوله والصادرة عن البشر الموجودين بالبيوت، حتى إذا جاء أحدهم يشرب كأساً من هذا الماء، وجدته يشرب ماءً ميتاً لا طاقة فيه.. فقد يروي لكنه لا يؤثر إيجاباً على خلايا الجسم..
 فماذا يعني كل هذا الكلام ؟
   هناك فرضية علمية ما زالت قيد الأبحاث والدراسات بالمختبرات، خلاصتها أن للماء ذاكرة، تُخزن كل المعلومات التي تجري حوله، والصادرة عن الأصوات والموجات المغناطيسية، أو الحرارة والبرودة، أو الأضواء والاشعاعات أو غيرها من مؤثرات.. وقد كان المعتقد عند العلماء وإلى وقت قريب أن التركيب الكيميائي للماء، هو المهم في حصول ووقوع التأثير، لكن ثبت بالتجارب أن التشكيل الهندسي لجزيئات الماء هو الأهم، بل هو السر في موضوع الذاكرة وتأثير الماء. وقد تبين من خلال التجارب المعملية أن التشكيل الهندسي لجزيئات الماء يتغير مع كل صوت أو ضوء أو تفاعل مغناطيسي؛ وأن أي تشكيل هندسي يحصل نتيجة مؤثر خارجي، إنما هو بمثابة إنشاء خلية معلوماتية تُخزن فيها كل المعلومات الناتجة عن الحاصل حول الماء، وأن تلك المعلومات أو التشكيلات الهندسية أشبه بالأبجدية في أي لغة.. مجموعة حروف متناثرة لن تفهمها ما لم تنتظم في كلمات وجمل مفيدة، وهكذا مع الماء. بمعنى آخر، وحتى يحدث تأثير الماء في خلايا الجسم، لا بد من مؤثرات خارجية تدفع جزيئات الماء إلى تشكيلات هندسية مفهومة للخلايا الحية، التي تبدأ بدورها تعيد برمجة ذاكرتها وفق المعلومات الجديدة القادمة إليها عبر الوسيط هنا وهو الماء.

  إن الدماغ البشري أغلبه ماء، كما بقية أجهزة وأعضاء الجسم. وأي ماء يدخل إلى تلك الأجهزة يتم امتصاصه من قبلها. وما يحدث بحسب تلك الفرضية، إنما هو عملية امتصاص للمعلومات المخزنة في ذاكرة الماء، وعلى ضوء تلك المعلومات تتأثر خلايا الجسم وتتغير خصائصها، إما إيجاباً أو سلباً.
  وإن أردنا فهم هذه الفرضية العلمية التي هي أقرب ما تكون إلى حقيقة علمية على ضوء ثقافتنا الإسلامية، فالأمر واضح جلي. حيث وردت آيات وأحاديث كثيرة حول الماء ومنافعه في مسائل الاستشفاء والتداوي والعلاج بالقرآن الكريم، وتدعو إلى استخدام الماء كوسيط لذلك، انطلاقا من قوله تعالى" ونُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ". فقد كان الأولون منا يستخدمون الماء في الاستشفاء بالقرآن، عبر قراءة آيات محددة على الماء، لاسيما ماء زمزم المبارك، ومن ثم شربه والاغتسال منه، مع إيمان ويقين تام لا يتزعزع، أن الشفاء بيد الله، وإنما التداوي بالماء والقرآن وسيلة وسبب لتحقق الشفاء المرجو من عنده سبحانه.

  يقول ابن قيم الجوزية: " ولقد مر بي وقت بمكة، سقمتُ فيه وفقدت الطبيب والدواء، فكنت أتعالج بها - أي الفاتحة - آخذ شربة من ماء زمزم، وأقرؤها عليها مراراً، ثم أشربه، فوجدت بذلك البرء التام، ثم صرتُ أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع، فأنتفع بها غاية الانتفاع". ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أما كون القرآن يُكتب في إناء ويُصب عليه الماء ثم يروج ويشربه الإنسان، فهذا فعله السلف رحمهم الله، يكتبون في إناء للزعفران آية الكرسي، المعوذات وشيئاً من القرآن ثم يُصب عليه الماء، ويروج هكذا باليد أو بتحريك الإناء، ثم يشربه الإنسان فهذا فعله السلف، وهو مُجرب عند الناس، ونافع بإذن الله".

  على ضوء ما سبق، وبناء على فرضية أن للماء ذاكرة، وقدرتها على التخزين وتأثير المعلومات المخزنة على الوسط الذي يدخل إليه الماء، يمكننا فهم وتفسير مسألة التداوي بالقرآن، واستخدام الماء كوسيط جيد لحمل ما في الآيات القرآنية من " الشفرات " أو المعلومات العلاجية إلى خلايا الجسم المتأثرة بمرض أو علة ما، فيحدث في تلك الخلايا نوع من إعادة برمجة ومعالجة لمعلومات سقيمة قديمة، بأخرى داخلة جديدة؛ تماماً كما نقوم بتحديث أجهزتنا الإلكترونية بين الحين والحين، كيلا يكون الجهاز متأخراً وربما لن يعمل بكفاءة بعد وقت قصير..
  من هنا، وحين جاء في ديننا ما يفيد ويؤيد مسألة قراءة آيات من القرآن على الماء بنية الاستشفاء والتداوي بإذن الله، فإنما هذه هي قصتها، من قبل أن يدرك أحد هذه الفرضية العلمية، التي تتجه لتكون حقيقة علمية عما قريب بإذن الله، ولتؤكد أن الله ما " خلق هذا باطلاً " سبحانه، إنّه حكيم خبير.

      

الخميس، 30 مارس 2017

عالم الأرواح.. مساحة للإيمان

 منذ القدم والإنسان يتساءل ويستفسر ويبحث عن ماهية الروح التي بين جنبيه، لا يدري كنهها ولا سرها، وهل كانت قبل الجسد أم خُلقت معه، ثم ماذا بعد فناء هذا الجسد إلى غير ذلك من أسئلة كثيرة ومتنوعة، تداولها الفلاسفة قديماً وما زالوا، بل انضم إليهم مفكرون وعلماء نفس وأديان وغيرهم كثير كثير.
  
  جاء في البخاري عن عبد الله مسعود رضي الله عنه، قال: كنتُ أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث في المدينة، وهو متوكئ على عسيب (عمود من جريد النخل) فمر بقوم من اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح. فقال بعضهم: لا تسألوه. قال: فسألوه عن الروح فقالوا يا محمد، ما الروح؟ فما زال متوكئاً على العسيب، قال: فظننت أنه يوحى إليه، فقال ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) فقال بعضهم لبعض: قد قلنا لكم لا تسألوه.

  الإنسان كعادته يبحث عن المجهول والخفي، ولأن الروح من الأشياء المجهولة والتي ما زالت كذلك، تجد المرء منا لا يتوقف عن التساؤل والبحث عن هذا المجهول، وهو أمر، بادئ ذي بدء، جيد ومطلوب، فإن التفكر في خلق الله لا يقوم به إلا أولي الألباب، أصحاب العقول المفكرة الباحثة.
  
   في مقال الأسبوع الفائت (حياة المخ بعد الموت) تحدثنا عن أمر أدهش الأطباء والعلماء، واعتبروه كشفاً علمياً جديداً مفاده أن الشحنات الكهربائية للدماغ تشهد نشاطاً كبيراً بعد توقف كافة الأجهزة الداخلية للإنسان، أو حالة ما بعد الوفاة بدقائق معدودة. وفسروا بأن هذا النشاط ربما بسبب أمر خفي يحدث للإنسان حينها ويكون بالغ الأهمية والإثارة. وقالوا كذلك أن الحياة الدنيا ليست نهاية المطاف للإنسان أو لروحه، إن صح التعبير.. وقد ذكرنا بأن هذه الحقيقة يعرفها أي مسلم لم تلوثه عقائد فاسدة أو فلسفات لا معنى لها.
  
  مواصلة لحديثنا عن هذا الموضوع، نقول أن الأرواح خلقها الله قبل الأجساد بوقت لا نعلمه، كما قال بعض المفسرين في شرحهم لقوله تعالى:" وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين "، حيث أن الله جمع ذرية آدم في أول الخلق في أرواحهم وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، لكن أحداً من بني آدم لا يتذكر هذا الميثاق.

  هذا يفيد أن الأرواح كانت موجودة قبل الأجساد وتعيش بطريقة ما في حياة معينة لها قوانينها، تتعامل مع بعضها البعض بصورة وأخرى لا ندري كيفيتها.. لكن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، أخبرنا بأن الأرواح في تلك الحياة، تلاقت وتعارفت مع بعضها البعض، فإما إنه كان يحدث التآلف أو التناكر، كما في الحديث الصحيح ( الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف ). ومن الحديث يتبين أن عمليات التآلف والاختلاف بين الأرواح حدثت في حياة قبل حياتنا الدنيا الحالية، ودليل هذا ما يحدث بين أحدنا وآخر في حياتنا الدنيا، حين يتقابلان للمرة الأولى، فيشعران بالتآلف من قبل أن يحدث أي نوع من الحديث، بل ربما أحياناً قبل أن يلتقيا. وقد يحدث العكس فيقع التناكر وعدم التآلف حتى قبل التلاقي والتحادث.


   إن عمليات تلاقي الأرواح مازالت مستمرة في حياتنا الدنيا، لكن في وقت المنام، حيث يحدث تلاقي الأرواح، سواء أرواح الذين توفاهم الله أو من لا يزالون على قيد الحياة، في عملية نسميها الأحلام أو الرؤى. حيث يحدث تواصل وتعامل بصورة وأخرى وبشكل مختصر جداً، تكون واضحة حيناً ومشوشة حيناً آخر، ثم في لحظة معينة ينتهي التواصل واللقاء، فتعود الأرواح إلى مواقعها. فأما التي لا تزال في عالم الحياة الدنيا، فإنها تعود إلى أجساد أصحابها. وأما التي توفاها الله، فإنها تبقى في عالم البرزخ إلى ما شاء الله أن يكون..
  
  في هذا يقول الله عز وجل ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون). وقد ذكر الطبري في تفسيره أن الله يقبض الأنفس حين موتها وانقضاء مدة حياتها، ويتوفى أيضاً التي لم تمت في منامها. وذكر أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام، فيتعارف ما شاء الله منها، فإذا أراد جميعها الرجوع إلى أجسادها أمسك الله أرواح الأموات عنده وحبسها، وأرسل أرواح الأحياء حتى ترجع إلى أجسادها إلى أجل مسمى وذلك إلى انقضاء مدة حياتها.

  إن عالم الأرواح مساحة متاحة لتعميق الإيمان بالله الواحد القهار، القادر على كل شيء. مساحة رائعة للتأمل وتعميق الإيمان وترسيخه بالنفس. إنه عالم من الأسرار وفي الوقت ذاته، عالم باعث على الطمأنينة، وأن من فقدناهم من الأحباب إنما فقدنا أجسادهم فقط، فيما أرواحهم لا تزال حية بصورة ما في حياة أخرى لها قوانينها وسننها، ولا نعلم عنها كثيراً، هي ما نسميها بالحياة البرزخية. حيث لا يمكن التواصل مع أرواح تلك الحياة، إلا إذا شاء الله أن يكون، وذلك عبر التلاقي في المنام.. سائلين الله عز وجل الله في الختام، أن يجمع في المنامات أرواحنا بأرواح الصالحين والصديقين والشهداء والأحباب والأصدقاء، ومن ثَمّ كرّة أخرى يوم القيامة، في زمرة خير الخلق محمد، عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأزكى السلام.

الخميس، 23 مارس 2017

حياة المخ بعـد الموت !

   قبل فترة قليلة، يكتشف فجأة عدد من الأطباء الكنديين أثناء وجودهم مع مريض فارق الحياة بغرفة العناية المركزة، أن النشاط العصبي للدماغ لم يهدأ لمدة عشر دقائق، رغم توقف كافة الأعضاء الداخلية للميت وأهمها القلب بالطبع، ووصفوا الحالة بأنها غير عادية وغير مفسرة من ذي قبل، الأمر الذي دعا مجموعة من الباحثين في جامعة ويسترن أونتاريو الكندية لدراسة النبضات الكهربائية في دماغ شخص متوفى، وعلاقتها بضربات قلبه بعد إزالة أجهزة التنفس عنه، حيث لاحظوا استمرار المخ في إطلاق موجات دلتا، حتى بعد أن توقف القلب وانخفض ضغط الدم الشرياني! ولقد لاحظ العلماء الذين أجروا اختبارات شبيهة على فئران تجارب، حين قاموا بقطع رأس فأر وفحص دماغه مباشرة، أن النشاط الكهربائي في دماغه استمر لمدة ثلاثين ثانية كما لو أن الفأر لازال حياً، وبالتحديد في منطقة الإبصار أو المسؤولة عن الرؤيا بالدماغ، مع ملاحظة أن هذا النشاط تضاعف إلى ثمان مرات عما كان عليه قبل موت الفأر!

  تفسيراتهم لتلك النتائج تنوعت، لكن انتهوا إلى خلاصة مفادها أن هناك شيئاً ما يحدث بالدماغ حين يكون الإنسان على حافة الموت أو ساعة الاحتضار، وهذا الشيء هو الذي يدفع الدماغ الواعي إلى مستوى عال من الإثارة والنشاط الزائد، الأمر الذي يُحتمل أن يكون ذاك النشاط غير الطبيعي، بسبب رؤى معينة أو أحاسيس محددة تصدر عن دماغ الميت ومرتبطة بواقع آخر يختلف كلياً عن واقعنا الدنيوي، أو إن صح التعبير، حياة أخرى غير الحياة الدنيا. إضافة إلى أن هذا الاكتشاف العلمي يعتبر أول دليل علمي مادي على وجود حياة ثانية للإنسان بعد الموت، وأول إضافة من نوعها بهذا المجال في تاريخ العلم الحديث.
  ربما لمن لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر من الملحدين أو المشككين في بعض الغيبيات، تكون مثل تلكم الاكتشافات مفاجئة لهم، أو قد يعتبرونها كشفاً علمياً مذهلاً، ولكن لو سألت عنها أي مسلم، لم تلوثه فلسفات ومعتقدات غريبة عن الإسلام، لأجابك من فوره، أن موت الإنسان لا يعني نهايته، بل الموت هو محطة انتقال الروح من حياة إلى أخرى، هي ما نعرفها بحياة البرزخ، التي لا ندري عنها ولا قوانينها المادية والمعنوية شيئاً، سوى أنها حياة تنتقل الأرواح إليها من الحياة الدنيا بعد خروجها من الأجساد الطينية، وفيها نعيم وعذاب، لكن لا ندري كيفيتها ولا كنهها، إلى أن يقضي الله أمره، وتنتهي الحياة البرزخية أيضاً والانتقال إلى الحياة الآخرة..
   بالعودة إلى الاكتشاف العلمي الأخير هذا، سنزداد علماً أشمل وبالضرورة إيماناً أعمق عما نحن عليه، فيما يختص بلحظات الموت وما بعدها. لاحظ معي قوله تعالى: وَلَوْ ترى إِذ الظَّالمونَ في غَمَرَات الموتِ والملائكةُ باسطُو أيديهِم أخرِجوا أنفُسَكُمُ.. الى آخر الآيات، ستجد أن في الآية تفسيراً واضحاً لهذا الاكتشاف العلمي حول الدماغ ونشاطه الزائد بعد الموت بلحظات.. ذلك أن الإنسان في لحظاته الأخيرة تنكشف عنه الحُجب ويرى الغيب، ومن ذلك الغيب الملائكة الكرام، سواء كانوا ملائكة رحمة أم عذاب. ويرى حينها أموراً لن يستوعبها العقل الواعي بحساباتنا الدنيوية المنطقية، ولكن القلب العامر بالإيمان، وبكل تأكيد، لن يجد صعوبة في أن يستوعب ويقبل وربما ينتظر مثل تلك اللحظات، كما في عقيدتنا الإسلامية.

  إن ذاك النشاط الكهربائي الزائد للدماغ الذي يحدث في منطقة الإبصار بالدماغ، ربما له علاقة بلحظات خروج الروح من الجسد، والالتقاء بالملائكة الكرام ثم العروج الى السماء السابعة والنزول مرة أخرى إلى الجسد، وبقية القصة المعروفة كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق، عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح، إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس ... الى آخر الحديث.
  خلاصة القول أن العلم الحديث يكتشف يوماً بعد يوم، دليلاً تلو آخر على صدق ما جاء به الرسول الأمي صلى الله عليه وسلم، ويثبت بالأدلة المادية ربانية هذا الدين الحق، الذي يخسر من يبتغي غيره. ويثبت كذلك العدالة الإلهية في خلقه، حين جعل الدنيا محطة يختبر فيها البشر، يتمايزون فيما بينهم لحياة أخرى حقيقية خالدة، وأن الموت لا يعني فناء ونهاية كل مخلوق، كما زعم كثيرون منذ القدم، ولايزال آخرون على المنوال نفسه يسيرون ويعتقدون، وإلى يوم الناس هذا. بل الموت محطة انتقال من حياة إلى أخرى ليس أكثر..
                          فماذا يريد منكرو الغيب والحياة الآخرة، بعد هذا الاكتشاف العلمي البشري؟


الخميس، 23 فبراير 2017

العالم أكبر من خمسة

  
  العالم أكبر من خمسة.. هكذا أعلنها السيد أردوغان قبل عام من الآن.. فقد أصبح العالم اليوم أكبر وأقوى وأوعى عما كان عليه قبل خمسة عقود مضت. إنَّ العالم الذي اتفق على انشاء هيئة أمم متحدة وفق قوانين ومبادئ معينة، وتحت ضغط الحروب والمآسي التي شهدتها مساحات كبيرة من العالم ضمن جنون الحرب العالمية الثانية، وافق هذا العالم نفسه، على قرار الأقوياء في تلك الفترة، الذين أنشأوا الهيئة الدولية هذه.. أمريكا، الاتحاد السوفيتي، الصين، فرنسا وبريطانيا. وافقوا على القرار غير المنطقي ولا المقنع، لا قديماً ولا حديثاً. قرار منح تلك الدول الخمس، ميزة حق النقض أو الفيتو، ضد أي قرار أممي!

   ربما كان مقبولاً منح امتياز الفيتو لتلك الدول الخمس لدى نسبة لا بأس بها من الدول في تلك الفترة وما بعدها بسنوات، ولكن مع سقوط الإمبراطورية الشيوعية المتمثلة حينذاك في الاتحاد السوفيتي، وانحسار الشمس سريعاً عن بريطانيا العظمى وكذلك عن جارتها فرنسا، وصعود قوى دولية جديدة، صار لها  لها تأثيرها الواضح والقوي على الأحداث العالمية، كل ذلك أثار الانتباه في العالم مجدداً إلى هذا الامتياز غير المنطقي، وغير العادل  الممنوح لأولئك الخمس.

   الرئيس التركي أثار هذه المسألة عدة مرات، حتى صار شعاراً يرفعه وينطق به ويدعو إليه في كل محفل دولي. نعم العالم اليوم صار أكبر من تلك الخمس، أو على أقل تقدير أكبر من بريطانيا وفرنسا وروسيا، باعتبار أن ما كان يميز هذه الدول الثلاث، صارت أخريات اليوم تتميز بها وربما أكبر وأقوى، سواء كانت على مستوى القوة الاقتصادية أم العسكرية أم البشرية أم غيرها من قوى.
  
  هناك دول تستحق أن تدخل منظومة الفيتو، إن لم يتم إلغاءها، مثل الهند، اليابان، تركيا، البرازيل، ألمانيا، أو منح التكتلات الكبيرة مثل هذا الحق. لكن المنطق السليم العادل، ألا يكون لهذا الامتياز وجود بين الأمم، وإنما تكون علاقات الدول مبنية على مواثيق وعهود واتفاقات ليست أكثر، فيكون الكل سواسية في مناقشة أي أمر واتخاذ القرار بشأنه، دون أن تضيع الجهود والأوقات والأموال سدى كما الحاصل الآن.         
  
  إن هذا الامتياز غير السوي، أضاع حقوقاً لدول وبشر، وأعان ظلمة ومجرمي حروب وآكلي لحوم بشر، ومن الأسباب الرئيسية للظلم الحاصل في العالم، والفساد المنتشر. وإن مثل دعوة أردوغان لابد وأن تلقى تأييداً وترويجاً في العالم كله، تتبناه الحكومات المتضررة ومنظمات حقوق البشر وكافة الهيئات المعنية بمصلحة الإنسان.. مانحين أنفسنا أملاً في تغيير قادم بإذن الله، باعتبار أن دوام الحال من المحال تعززه الآية الكريمة ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ).


الأربعاء، 22 فبراير 2017

دار أبي سفيان

  الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ومعه عشرة آلاف صحابي يدخلون مكة من أبوابها المختلفة في مشهد عظيم انتظره المسلمون أكثر من عشرين عاماً. دخلها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أشد ما يكون حرصاً ألا تُراق الدماء من الجانبين ويفسد المشهد المهيب.. لكن دخول مكة بهذه السهولة قد لا يخضع للأمنيات، إذ ربما هناك من مشركي مكة مَن لا يزال غير راض عما آلت إليه الأمور، ولا يريد الاستسلام سريعاً.. فما الحل؛ ورغبة خير البشر، ألا يُراق دم خلال عملية دخول المدينة المقدسة؟
  
   كان الحل الذكي في اقتراح العباس بن عبد المطلب على النبي الكريم، وتمثل في استثمار نفسية أبي سفيان بن حرب، العاشقة للزعامة والرياسة والبقاء في الأضواء، وخاصة أنه كان زعيم قريش يومها، وبيده قرار الحرب والسلم. 
فلما أسلم أبو سفيان، أكرمه الرسول الكريم بقوله:" من دخل دار أبي سفيان فهو آمن"، فجعل داره ضمن مواقع أخرى آمنة تم تحديدها. فأسرع أبو سفيان بعد إعلان إسلامه الى مكة منادياً، بأن من دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل داره، فهو آمن. وأخيراً من يدخل دار أبي سفيان فهو آمن كذلك. 

 استغرب كفار قريش من موقف زعيمهم، واستغربوا أكثر وهو يعلن داره موقعاً آمناً للاحتماء من جيش المسلمين، فما عساها دار أبي سفيان أن تفعل أو تستوعب المئات في مثل هذه الأزمة العصيبة؟ تركه الناس وذهب كل أحد إلى داره، ينتظر قرار الزعيم الجديد، عليه الصلاة والسلام، حتى صدر بعد قليل من الوقت، وكان العفو، حسبما جاء في قولته الشهيرة البليغة:" اذهبوا فأنتم الطلقاء ".

الشاهد من القصة، أن الحكمة تقتضي منك أحياناً كثيرة، استثمار الظرف الأنسب لتحقيق الإنجاز والانتصار، حتى لو كنت أمام معركة حربية أو غيرها من المعارك الحياتية المتنوعة التي ستخوضها. فليست القوة دائماً تأتي بأفضل النتائج وأقل الخسائر، وهكذا صارت الأمور مع مسألة فتح مكة.
  
 لقد استثمر النبي الكريم، تركيبة أبي سفيان الشخصية، فقرر الاستفادة منها في تجنب معركة، لابد أن دماءً كثيرة ستُراق، إن نشبت وحمي وطيسها، فلم لا يكسب المطلوب بأقل الخسائر؟ فكان ما كان من أمر أبي سفيان، وخرج المسلمون يومها بنصر عظيم دون خسائر تُذكر.. وهكذا هم القادة العظام في المواقف العصيبة، والأزمات الكبيرة،  وليس هناك من هو أعظم من قائدنا إلى يوم الدين، حياً وميتاً؛ عليه وعلى آله وصحبه خير الصلاة وأزكى السلام.