أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الخميس، 25 مايو 2023

عمران خان وهو يتحدى الجيش



لاعب الكريكيت والنجم الرياضي الباكستاني الدولي، الذي كان من مشاهير اللعبة في باكستان، تحدى خلالها وواجه لاعبين بارزين في فرق دولية منافسة باللعبة، أمسى الآن يتحدى جنرالات الجيش، أقوى سلطة في باكستان.

    عمران أحمد خان نيازي، أكتسب شهرة وشعبية ونجومية، وشخصية كاريزمية جعلته يدخل عالم السياسة رسمياً بشكل فاعل بانتخابه رئيساً للوزراء في 2018 حيث وعد حينها ببناء باكستان جديدة، ولكن تمت الإطاحة به العام الفائت، وانهالت عليه القضايا التي فاقت كما يقول هو عن نفسه، مئة قضية متنوعة ! ومنذ ذلكم التاريخ وهو في شد وجذب ومد وجزر مع النظام الحاكم الحالي، أو إن صح وجاز لنا التعبير، في جولات صراع وتحد مع العسكر، الذي لم يعد خافياً على أحد أنه المتحكم بمفاصل البلاد من وراء ستار، بعد أن صار هذا الستار شفافاً لم يعد يخفي ما وراءه ! 

    تعيش باكستان إذاً غلياناً ربما يفوق غليانات سابقات ماضيات. حيث بدأ تدريجياً بعد عزل عمران خان بسبب اتهامه بالفساد ودعم الإرهاب، ثم محاولة اغتياله نوفمبر الفائت، ليزداد الغليان أكثر فأكثر هذا العام بعد عدة محاولات لاعتقاله من منزله في لاهور، ليصل الأمر ذروته تقريباً بعد اعتقاله بدايات هذا الشهر أثناء وجوده في محكمة بالعاصمة، وبشكل أثار الرأي العام الباكستاني، وليس أنصاره فحسب !

   رأى كثيرون في عملية الاعتقال تلك، نوعاً من التعسف والإهانة المقصودة بهدف كسر هيبته وشخصيته وشعبيته أمام أنصاره قبل عموم الشعب الباكستاني. الأمر الذي أدى خلال فترة اعتقاله، التي لم تستمر أكثر من يوم أو بعض يوم، إلى أحداث قام غاضبون كُثُر بها، ليسوا من أنصاره فحسب، بل من غيرهم أيضاً، كنوع من الرد على الاعتقال ولكن بخطوات عملية غير متوقعة من الطرف الحاكم، وقد تمثلت في حرق ومهاجمة مقرات ومكاتب ومبان تابعة للجيش، ومواجهات عنيفة مع قوات الأمن، ما دفعت حكومة شهباز شريف للاستنجاد بالجيش نفسه، لضبط الوضع والأمن في مناطق عدة، أشهرها خيبر وبنجاب وإسلام آباد.

 

ماذا يريد خان ؟

 

  سؤال يبحث كثيرون خارج باكستان عن إجابته، والتي تدور حول رغبة عمران خان في ضرورة قيام الحكومة الحالية بترتيب ما يلزم لإجراء انتخابات مبكرة أكتوبر القادم، وهذا ما لا يبدو في الأفق أي مؤشرات إلى قيام الحكومة الحالية بذلك، بل إصرارها على محاكمة عمران بتهم الفساد والإرهاب التي وجهها إليه مكتب المحاسبة الوطني، الذي يديره جنرال متقاعد، وهي التهم التي يرفضها عمران أساساً، ويعتبرها حجة من النظام الحاكم الحالي لقطع الطرق أمامه لخوض أي انتخابات قادمة، وقد تحدث عنه خان للجزيرة قائلاً:" الحكومة الحالية والمؤسسة الأمنية والعسكرية يخشون عودتي للسلطة، لذا تجدهم يفعلون أي شيء لإبقائي خارجها. لم يحدث في باكستان أن آلافاً من رجال الشرطة وجنود الدرك يحاولون اعتقال رئيس حكومة سابق، والسبب وراء ذلك أنهم يريدون وضعي في السجن لأنهم خائفون من مشاركتي في الانتخابات".  

 

 حكم الجنرالات

  يعتقد خان أن رئيس الحكومة الحالي شهباز شريف، الأخ الأصغر لنواز شريف المقيم في لندن - العقل المدبر والزعيم الروحي للحزب الحاكم الحالي - وساعده الأيمن في إدارة البلاد الجنرال عاصم منير قائد الجيش، أقوى منصب في البلاد بعد أن كان رئيساً للاستخبارات الباكستانية، يعتقد عمران بأنهم من أسباب احتقان الحالة الباكستانية، وأنهم مصدر الغليان الحاصل في باكستان، وأنهم من يضعون العراقيل أمامه لمنعه بكل الطرق من الترشح للانتخابات والقيام بحملات انتخابية.

    المراقب للأوضاع في هذا البلد يدرك أن الجيش هو العنصر الفاعل الحقيقي الذي يدير البلاد، وإن كان بواجهات مدنية عبر أحزاب. وإن الدخول معه في خلاف أو صراع أو تحد كما الحاصل الآن، أو السير على غير هواه ورؤيته، لا يكون عادة ذا جدوى، إذ سيتم فرض ما يريده الجيش، رغبة أم رهبة، طال الزمن أم قصر، وإن أحداثاً ماضية كثيرة شاهدة على هذا. فقد مر على باكستان منذ الاستقلال أكثر من ثلاثين رئيس وزراء، لم يكمل أحدهم مدته والسبب هو الدخول في خلافات وصراعات وتحديات مع الجنرالات، فكانت الكلمة دوماً للعسكر.

 

رؤية عمران


اليوم يريد عمران خان، ومعه أنصاره وربما غيرهم ملايين كُثُر من عموم الباكستانيين، تحسين حال ووضع البلاد، خاصة الأوضاع الاقتصادية، ومعالجة ارتفاع معدل التضخم، وتراجع الروبية، وتراكم الديون. ويرى أن ذلك أمر ممكن لو أن الجيش تحول لأداة وطنية لحماية البلاد، دون الخضوع لمصالح واستراتيجيات قوى أجنبية مؤثرة كالولايات المتحدة، وأن يعود لمعسكراته وثكناته على الحدود، بدلاً من الانشغال بإدارة سياسات البلاد والتحكم بمفاصله وأجهزته المختلفة، خاصة وأن عمران في مناسبات عديدة، أفاد بأن الجيش متهم في الإطاحة به بتوجيه أمريكي رداً على ترحيبه بعودة طالبان لحكم أفغانستان، وارتفاع نبرة التحدي عنده للغرب، بالإضافة إلى زيارة له قام بها لروسيا رغم الاعتراضات الأمريكية. حيث يعتبر خان أن تلك الزيارة ربما كانت الشرارة الأولى في عملية الإطاحة به.

    كما يرى عمران وحزبه وآخرون معه من خارج الحزب، أن باكستان تستحق بعد كل هذه السنوات منذ الاستقلال، أن تدار عبر أحزاب مدنية سياسية أمينة مسؤولة، لا تخضع لأمزجة وأهواء الجنرالات أو الخارج، بل تكون معبّرة عن تطلعات وهموم الشعب، الذين لابد أن تكون لهم الكلمة العليا والأخيرة في اختيار من ينوب عنهم في إدارة دفة البلاد، ومن ثم مراقبة أدائه ومحاسبته حال التقصير في عمله، شأنهم شأن أي شعب يرغب العيش في ظل نظام ديمقراطي.

 

    هل ينجح عمران خان في رحلة تحدي الجنرالات، أم أن مصيره لن يختلف عن رؤساء وزراء سابقين، إما التصفية أو متابعة مجريات الحياة الباكستانية المتنوعة، ولكن من وراء جدران سجن ما، خاصة وأن ما يجري الآن في باكستان، كأنما هو إعادة للسيناريو المصري الذي بدأ بانقلاب العسكر على حكم مدني في 2013 وبقية القصة المعروفة..

   الأيام القادمة حبلى بالكثير من الأحداث في هذا البلد النووي، وربما الكثير من المفاجآت أيضاً. لكن في كل الأحوال لا نتمنى أبداً خسارة دولة مسلمة أخرى بدخولها أنفاق ومتاهات الاضطرابات والتوترات، ففي عالمنا الإسلامي ما يكفي من نماذج عاجزة فاشلة ومضطربة، ولسنا بحاجة للمزيد.. فاللهم سلّم سلّم.