أسبوعان منذ كذبة سكاي نيوز وبدء حفلة التشهير
الإعلامي بقطر، والأمور لم تهدأ لا إعلامياً ولا سياسياً، وصارت الأزمة تشغل، ليس
بال المنطقة وما حولها فحسب، بل اتسع الاهتمام والقلق ليشغل بال عواصم العالم
الكبيرة، باعتبار أهمية منطقة الخليج عالمياً.
لا شك أننا في قطر أكثر من غيرنا، انصب وما
زال، غالب تركيزنا على هذه الأزمة المفتعلة والمدبرة بليل بهيم حالك السواد، كسواد
نفوس من قاموا بالتخطيط والتنفيذ والترويج.. نعم، كانت مفاجأة كبيرة لنا مسألة
الفبركة الليلية، لكن سرعان ما تم ضبط الأمور وتفهمنا المسألة فقمنا نتعامل معها
بالشكل المطلوب، حتى هبط علينا أمر ليلي آخر بقرار قطع العلاقات وفرض الحصار، في
سابقة لم تعرفها دول التعاون، وأحدثت صدمة نفسية باعتبار أنها من الجوار القريبين!
الصدمة لم تدم طويلاً، فقد كان هذا الفعل
متوقعاً في أزمة سحب السفراء 2014. ولأنه لم يتم تنفيذه في تلك السنة، فقد كنا
نتوقع في أي أزمة جديدة مفتعلة أن يتم تطبيق فعل الحصار وقد صار.. أما وقد صار وأصبح
واقعاً، فإن الأمر يتطلب سياسة هادئة في التعامل معه، وحسن استغلال التشنج الواضح
الذي عليه المعسكر المنقلب علينا، وأبرز مؤشرات ذلكم التشنج ما يتضح في التخبط
والتسرع في التصريحات والقرارات، وافراغ كل ما في الجعبة من خطط التشهير والشيطنة،
وحرق كل الأوراق من أجل لفت الأنظار عن مشروعات خفية ربما قرب وقت ظهورها، أو لفت
الأنظار عن الأهم والأخطر من القضايا من تلك التي تشغل بال شعوب الدول المحاصرة
لقطر، وإن كان ليس هذا هو لب موضوعنا اليوم.
ما يهمني بصفتي مواطناً قطرياً في هذه الأزمة،
ألا يحدث مزيد من الحمق والتهور في المعسكر المحاصر لقطر، فيتم اللجوء الى استخدام
الساعد والسلاح في إنجاح وإنهاء الحملة المفتعلة، وإن كان الأمر ليس بالسهولة التي
نتحدث عنها. لكن من قام بداية بافتعال واشعال شرارة هذه الأزمة غير السوية وغير
العاقلة، لا يستبعد أي حماقات قادمة، خاصة إن تجمعت عناصر الاغترار بالقوة المادية
والتهوين من الخصم، مع بطانة فاسدة وإعلام أفسد، وخبث قوى أخرى بالمنطقة، توحي
للمتأزمين بالخليج أن المسألة داخلية، فيحدث ما لا يُحمد عقباه ويتكرر سيناريو
استدراج وخداع العراق نحو الكويت وما جرى بعد ذلك وإلى اليوم. أما عدا ذلك، فإننا
في قطر نملك من القدرة المادية والمعنوية من تلك التي تجعلنا مستمرين طويلاً في
النقاش والجدال، سواء على الصعيد الإعلامي أو السياسي، وتستمر في الوقت ذاته
الحياة على وتيرتها التي اعتدنا عليها بإذن الله، إلى أن يظهر الله الحق، وأينما
كان الحق وظهر للجميع فلن يتردد أحد في قطر من اتباعه.. وتلك نقطة أولى.
النقطة الثانية والأهم، تكمن في أهمية استثمار
هذه الأزمة فيما يعود بالنفع على الوطن والمواطن وكذلك المقيم، فإن كل يوم يمر على
الأزمة، تتضح لنا فيه خفايا ونوايا، ما جعلتنا نعيد التفكير والنظر في الكثير من القضايا
والأمور.
لقد اتضح وبما لا يدع مجالاً للشك، ومن سقطات
وعثرات وأخطاء المعسكر المحاصر لقطر، أن الأزمة المفتعلة ضدها لم تكن بسبب الكثير
مما أثير من مزاعم واتهامات غير منطقية وواقعية من قبل الأِشقاء " التعاونيين
" ومن معهم من عرب منتفعين متسلقين، كمزاعم دعم حماس أو الإخوان أو "
الإرهاب " أو التدخل في الشؤون الداخلية أو التحريض وغيرها من تهم ومزاعم.. لأن
الإكثار من عدد الادعاءات والمزاعم والتهم تلك، ما هو إلا من أجل التغطية على
نقطتين رئيسيتين لا ثالث لهما في تقديري، وقد يتفق البعض معي أو لا يتفق، ويتمثلان
في القرار السياسي والقرار الإعلامي.
دول مجلس التعاون منذ استقلالها، وآلية استلام
وتسليم الحكم معروفة وواحدة لا تتغير، فمن يتولى الحكم يبقى دون حراك إلى أن يأتيه
اليقين، حتى وإن كان وجوده تفويت لكثير من المنافع والمصالح للبلاد، ولا يهمنا
الآن هذا، فلكل دولة قرارها الخاص في هذا الأمر. لكن ما أحدثه سمو الأمير الوالد
حفظه الله، أمير قطر السابق عام 1995، كان خروجاً على المألوف والآلية التقليدية
المتبعة في دول المجلس، وهو مالم يعجب البعض ورآه خطراً، فكان ما كان سنة 1996 من
محاولة انقلاب فاشلة في قصة طويلة وتبعات أطول.. واستمر الأمير الوالد في كسر
الروتين السياسي بالمنطقة، حين قرر التنحي عن الحكم في هدوء نادر، الأمر الذي أقلق
المجلس تارة أخرى!
في عشرين عاماً إذن، ومجلس التعاون الخليجي لم
يغير مساره التقليدي على غالب الأصعدة، وبعض أعضائه غير قادر على تغيير بعض
ممارسات وآليات الإدارة السياسية في بلدانهم، أو توسيع هوامش الحريات الإعلامية،
وأصبحت تنظر إلى قطر نظرة عدائية، رغم أنها لم تصل بعدُ الى الدولة المنشودة التي
اكتملت فيها مؤسسات الدولة الديمقراطية، أو تعددت وتنوعت فيها مؤسسات إعلامية
مستقلة تتحرك في مساحات واسعة من الحرية المنضبطة.. إذ رغم ذلك كله، ينظر بعض
أعضاء التعاون الخليجي إلى قطر نظرة غير مريحة، وإن كانت خافية أغلب الوقت، لكنها
كشرت عن أنيابها وأخرجت ما بنفسها منذ أن تولى الأمير الشاب دفة حكم البلاد،
واعتقدت أن الفرصة مواتية لإعادة قطر إلى المربع الخليجي الأول، لا تلتفت يمنة ولا
يسرة. وبدأت بمحاولة تهميش ما تم إنشاؤه خلال عقدين من الزمن عبر قائمة طويلة من
المزاعم والاتهامات المرسلة في أزمة سحب السفراء عام 2014، وزادت القائمة طولاً
وعرضاً فكانت المحاولة الثالثة في رمضان عام 1438 الذي لن ينساه القطريون أبداً.
كان قد صاحب هذا التغيير في آلية الحكم وإدارة
البلاد، قيام قطر باستثمار إعلامي مشهود وناجح على مستوى العالم والمتمثل في شبكة
الجزيرة الفضائية.. صرح إعلامي عرف العالم بسببه قطر، وساهم في رفع الحجب والغطاءات
والعوازل عن العقول والألباب، ورفع درجة الوعي لدى الشارع العربي الكبير وفي زمن
قياسي غير معهود بالعالم العربي، الأمر الذي أحدث حراكاً أزعج مؤسسات الحكم
العربية التقليدية.. وتخلص الجمهور العربي من التبعية الإعلامية للإعلام الغربي،
فبعد أن كان العرب يرون بكاميرات CNN
حرب الخليج الأولى ضد العراق عام 90، على سبيل المثال لا الحصر، صاروا يرون الحرب
الثانية عام 2003 بعيون الجزيرة، والفرق في التغطية وتوضيح الحقائق كان مهولاً
أزعج الأمريكان أكثر من العرب!
كل هذا الضجيج من الثلاثي الخليجي إذن سببه أولاً،
خروج قطر عن الوصاية والاستقلالية في بعض القرارات كما تفعل عمان، وثانياً
وأخيراً بسبب الهامش المعقول من الحرية الإعلامية في هذا الصرح الإعلامي الحضاري
المسمى بالجزيرة، كما الحاصل في مجلس الأمة بالكويت. أما بقية المزاعم كحماس
والإخوان وإيران والتحريض الإعلامي، فالكل بالمجلس له نصيبه من كل أو بعض تلكم
الملفات، وليس في مقدور أي عضو الزعم بغير ذلك، فكل عضو يتحرك وفق مصالحه أولاً وأخيراً،
ونحن في قطر لا نعيب على أحد في قرارته ولا نبغي في الوقت ذاته أن نُعاب في
قراراتنا، باعتبار أن هذا هو منطق الصواب والعدل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق