
لا شك أننا في قطر أكثر من غيرنا، انصب وما
زال، غالب تركيزنا على هذه الأزمة المفتعلة والمدبرة بليل بهيم حالك السواد، كسواد
نفوس من قاموا بالتخطيط والتنفيذ والترويج.. نعم، كانت مفاجأة كبيرة لنا مسألة
الفبركة الليلية، لكن سرعان ما تم ضبط الأمور وتفهمنا المسألة فقمنا نتعامل معها
بالشكل المطلوب، حتى هبط علينا أمر ليلي آخر بقرار قطع العلاقات وفرض الحصار، في
سابقة لم تعرفها دول التعاون، وأحدثت صدمة نفسية باعتبار أنها من الجوار القريبين!
الصدمة لم تدم طويلاً، فقد كان هذا الفعل
متوقعاً في أزمة سحب السفراء 2014. ولأنه لم يتم تنفيذه في تلك السنة، فقد كنا
نتوقع في أي أزمة جديدة مفتعلة أن يتم تطبيق فعل الحصار وقد صار.. أما وقد صار وأصبح
واقعاً، فإن الأمر يتطلب سياسة هادئة في التعامل معه، وحسن استغلال التشنج الواضح
الذي عليه المعسكر المنقلب علينا، وأبرز مؤشرات ذلكم التشنج ما يتضح في التخبط
والتسرع في التصريحات والقرارات، وافراغ كل ما في الجعبة من خطط التشهير والشيطنة،
وحرق كل الأوراق من أجل لفت الأنظار عن مشروعات خفية ربما قرب وقت ظهورها، أو لفت
الأنظار عن الأهم والأخطر من القضايا من تلك التي تشغل بال شعوب الدول المحاصرة
لقطر، وإن كان ليس هذا هو لب موضوعنا اليوم.

النقطة الثانية والأهم، تكمن في أهمية استثمار
هذه الأزمة فيما يعود بالنفع على الوطن والمواطن وكذلك المقيم، فإن كل يوم يمر على
الأزمة، تتضح لنا فيه خفايا ونوايا، ما جعلتنا نعيد التفكير والنظر في الكثير من القضايا
والأمور.
لقد اتضح وبما لا يدع مجالاً للشك، ومن سقطات
وعثرات وأخطاء المعسكر المحاصر لقطر، أن الأزمة المفتعلة ضدها لم تكن بسبب الكثير
مما أثير من مزاعم واتهامات غير منطقية وواقعية من قبل الأِشقاء " التعاونيين
" ومن معهم من عرب منتفعين متسلقين، كمزاعم دعم حماس أو الإخوان أو "
الإرهاب " أو التدخل في الشؤون الداخلية أو التحريض وغيرها من تهم ومزاعم.. لأن
الإكثار من عدد الادعاءات والمزاعم والتهم تلك، ما هو إلا من أجل التغطية على
نقطتين رئيسيتين لا ثالث لهما في تقديري، وقد يتفق البعض معي أو لا يتفق، ويتمثلان
في القرار السياسي والقرار الإعلامي.

في عشرين عاماً إذن، ومجلس التعاون الخليجي لم
يغير مساره التقليدي على غالب الأصعدة، وبعض أعضائه غير قادر على تغيير بعض
ممارسات وآليات الإدارة السياسية في بلدانهم، أو توسيع هوامش الحريات الإعلامية،
وأصبحت تنظر إلى قطر نظرة عدائية، رغم أنها لم تصل بعدُ الى الدولة المنشودة التي
اكتملت فيها مؤسسات الدولة الديمقراطية، أو تعددت وتنوعت فيها مؤسسات إعلامية
مستقلة تتحرك في مساحات واسعة من الحرية المنضبطة.. إذ رغم ذلك كله، ينظر بعض
أعضاء التعاون الخليجي إلى قطر نظرة غير مريحة، وإن كانت خافية أغلب الوقت، لكنها
كشرت عن أنيابها وأخرجت ما بنفسها منذ أن تولى الأمير الشاب دفة حكم البلاد،
واعتقدت أن الفرصة مواتية لإعادة قطر إلى المربع الخليجي الأول، لا تلتفت يمنة ولا
يسرة. وبدأت بمحاولة تهميش ما تم إنشاؤه خلال عقدين من الزمن عبر قائمة طويلة من
المزاعم والاتهامات المرسلة في أزمة سحب السفراء عام 2014، وزادت القائمة طولاً
وعرضاً فكانت المحاولة الثالثة في رمضان عام 1438 الذي لن ينساه القطريون أبداً.

كل هذا الضجيج من الثلاثي الخليجي إذن سببه أولاً،
خروج قطر عن الوصاية والاستقلالية في بعض القرارات كما تفعل عمان، وثانياً
وأخيراً بسبب الهامش المعقول من الحرية الإعلامية في هذا الصرح الإعلامي الحضاري
المسمى بالجزيرة، كما الحاصل في مجلس الأمة بالكويت. أما بقية المزاعم كحماس
والإخوان وإيران والتحريض الإعلامي، فالكل بالمجلس له نصيبه من كل أو بعض تلكم
الملفات، وليس في مقدور أي عضو الزعم بغير ذلك، فكل عضو يتحرك وفق مصالحه أولاً وأخيراً،
ونحن في قطر لا نعيب على أحد في قرارته ولا نبغي في الوقت ذاته أن نُعاب في
قراراتنا، باعتبار أن هذا هو منطق الصواب والعدل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق