في اليوم والليلة نسجد أكثر من ست وثلاثين سجدة في الفروض الخمسة المعروفة، نختمها بركعة وتر آخر الليل. وقد يزيد بعضنا بحسب اجتهاده في
السنن الرواتب والنوافل وما شاء له أن يصلي.. في حال السجود يكون المصلي أقرب ما
يكون إلى الله، حيث يُستحب الإكثار من الدعاء، مع حُسن الظن بالله واليقين التام
أن الله يستجيب له، عاجلاً أو آجلا، بصورة أو أخرى.
إن وضعية السجود فيها مذلة وإهانة كبيرة
للإنسان مهما تكن الدوافع والرغبات، إلا في حالة واحدة لا ثاني لها، هي السجود
لله، سواء في الصلاة أو خارجها. إنك حين تسجد للخالق خاشعاً ذليلاً، وتسجد معك كل
جوارحك، تشعر بلذة لا يمكن وصفها، ولا يمكن أن تجدها في غير الصلاة، أو في غير
السجود لله. وكان النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -
إذا أحزنه أمر وضاق صدره لأي سبب، يفزع إلى الصلاة. فقد أمره الله من بعد أن ضاق
صدره للبذاءات والإساءات التي كان يسمعها من المشركين بقوله -تعالى- "فسبح
بحمد ربك وكن من الساجدين".
ذهب المفسرون لهذه الآية إلى أن
المراد بالسجود هنا الصلاة، وعبر عنها بذلك من باب التعبير بالجزء عن الكل، وذلك
لأهمية هذا الجزء وهو السجود وفضله، كما جاء عن أبي هريرة - رضى
الله عنه - أن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - قال: " أقربُ ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا
الدعاء".
لا شك أنك ترى يومياً الكثير من
الساجدين وقد سجدت جوارحهم في الصلوات، لكن لم تسجد ضمائرهم ونفوسهم المريضة.
سجودهم ما هو إلا حركات رياضية ليس أكثر. فلا ضمير يهتز ويخشع، ولا نفس تحمد
خالقها على نعمه الكثيرة على صاحبها. إذ تجد هذا الذي سجدت جوارحه في الصلاة ولم
يسجد ضميره، قد ظلم هذا قبل الصلاة، ثم سيفتك بذاك بعد الصلاة. وهكذا يستمر في
جبروته وإلحاق الأذى والضرر بعباد الله.
لنكن أصحاب ضمائر تسجد خاشعة لله في
الصلاة وخارجها، قبل أن تسجد جوارحنا. فأحدنا لا يدري ما يصل الله من دعوات وآهات
من ظلمهم قبل صلاته ومن سيظلمهم بعدها. فما نفعُ الجباه الساجدة إذا كانت الضمائر
فاتكة ظالمة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق