مهما كتب ونكتب ويأتي آخرون
من بعدنا ليكتبوا عن حياة الفاروق عمر ، فلا أظن أننا سنوفي الرجل حقه ، فهو رضي
الله عنه منذ وفاته وإلى ساعتنا الآن ، لم يتكرر نموذجه ولم تنجب الأمهات
مثله .. يقول علي ابن أبي طالب رضي الله
عنه : رأيت عمراً يجري بشدة، فسألته، يا أمير المؤمنين، أين تذهب؟
فقال :
بعيرٌ نـدّ – أي هرب - من إبل الصدقة أطلبه.
فقلت له :
لقد أتعبت من بعدك ..
فقال :
فو الذي بعث محمداً صلى الله عليه و سلم بالنبوة، لو أن عناقاً – أي الأنثى من ولد
الماعز - ذهبت بشاطئ الفرات ، لأُخذ بها عمر يوم القيامة !
ومن القصص التي تروى عنه رضي الله عنه وأرضاه
، أنه كان
دائم الرقابة لله في نفسه وفي عماله وفي رعيته ، يشعر بوطأة المسؤولية عليه
حتى تجاه البهائم العجماء – أعزكم الله – فيقول في موضع آخر إضافة إلى ما ذكرنا
قبل قليل : " والله لو أن بغلة عثرت بشط الفرات لكنت مسئولاً عنها أمام الله ،
لماذا لم أعبد لها الطريق..

كان رضي الله عنه
يستشعر دوماً حجم وخطورة الحُكم والمسؤولية، فكان إذا أتاه الخصمان ، بَرَك على ركبته ويقول :
اللهم أعني عليهم ، فإن كل واحد منهما يريدني على ديني..
ومن قصص تواضعه وحرصه على عدم غلبة روح الكبر عليه باعتبار مكانته ومقامه بين
المسلمين وهو من هو يومئذ، أن رآه الصحابة وقد حمل
رضي الله عنه قربة على عاتقه ، فقالوا له : لماذا يا أمير المؤمنين ؟ فقال : إنّ
نفسي أعجبتـني فأردت أن أذلها !!
لقد أتعب فاروق هذه
الأمة الكثيرين من بعده.. ومهما حاول الكتّاب والمؤرخون والمؤلفون بيان مكانته فلن
يتمكن أحد من إنصافه حق الإنصاف ، بل ظني أنه ليس بحاجة إلى شهادة أي أحد من البشر
، فتكفيه شهادة
خير البشر ، رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال للصحابة الكرام : " لو كان بعـدي نبيٌ، لكان عمر بن الخطاب ..