حياتنا ليست فوضى بلا حسيب أو رقيب ، لكنها جملة قواعد ونظم وآداب ،
وكلما توافقنا مع تلك الآداب والنظم والقواعد سارت حياتنا بالشكل الصحيح المرغوب، وكانت
جميلة ، فيما العكس صحيح دون أدنى ريب، ذلك أن أن مخالفة تلك القواعد والآداب، لا
تأتيك إلا بكل ما هو منغص ومكدر ، بل ومحزن لك وربما لمن حولك.
من الأخلاق والآداب الجميلة التي دوماً أحرص أن
أدعو غيري إليها ، أدب أو خُلُق الاعتذار عن الخطأ ، فليس أحداً منا معصوم عن
الخطأ ، وأي أحد معرّض ٌ لارتكاب الخطأ والاثنين أو المئة ، فهكذا نحن البشر ، نعمل
فنخطئ ثم ننتبه فنعتذر ونستمر في العمل ، ثم ننسى بعد حين من الزمن فنخطئ أخرى
وننتبه فنعتذر وهلم جرا .. وليس هذا هو موضوعنا ، وإنما التنبيه إلى أهمية سرعة
الاعتذار عن الخطأ إن وقع منا ..
إن الاعتذار خُلُق رفيع ، بل صفة من صفات
وشيم الرجال وأخلاق الفرسان .. والعيب ليس في وقوع الخطأ منك ومني ومنها كما أسلفنا ، لكن العيب كل العيب أن يعتبر أحدنا الخطأ الذي ارتكبه ليس شيئاً ذا أهمية وأنه لا يستحق الالتفات إليه ، فنمضي في حال سبيلنا غير
آبهين لما يمكن أن يجر ذلك التطنيش للخطأ من مشكلات ويُحدث من آثار وتبعات .. ولعل
هذا الشعور اللامسؤول وغير التربوي يعود إلى التنشئة أو التربية التي قام عليها
الشخص غير المبالي بما يقوم به من أخطاء ..
إن من الأخلاق العظيمة الرائعة أن تعود عن
الخطأ وأن تعتذر إلى من ارتكبت الخطأ أو الأخطاء بحقه أو بحقهم، ودع عنك ما يقال
عن العائد والمعتذر عن الخطأ بأنه ضعيف شخصية، لأن هذا كله مجرد سخف من القول لا
يمت للواقع وللحق القويم بشيء.
لا تتردد أبداً في أن تتأسف لمن أخطأت في حقه أو
حقها، فإن تلك المبادرة تعتبر خطوة أولى نحو إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي
وإصلاح ما بدر منك. ثم كخطوة ثانية معبرة، انظر في عيني من ارتكبت في حقه أو حقها
الخطأ، وأنت تنطق كلمة الأسف أو الاعتذار له أو لها؛ لأجل أن يقرأها أو تقرأها في
عينيك قبل أن يسمعها أو تسمعها أذنهما.
إن ما تقوم به وقت الاعتذار إنما هو أدب جم رفيع
المستوى، ودلالة على ما تتمتع به من خلق النبل والشجاعة .. وإن الجبن كل الجبن في
الترفع عن ذلك المسلك. فكم نحن بحاجة اليوم الى مثل هذه الأخلاقيات النبيلة التي
بها تهدأ النفوس وتضيق حلقات التوتر والخلاف والمشكلات، وما أكثرها !