من القصص التي تُروى في موضوعات الفشل والفاشلين أو النجاح
والناجحين ، قصة الرئيس الأمريكي ترومان ، حيث كان قد تعرض لأزمة ديون أغرقته وهو
في الثامنة والثلاثين من عمره ، وكان ذلك عام 1922.. لكنه صبر وقاوم وبذل من الجهد
سنوات عديدة للخروج من أزمته وعدم الركون والاستسلام لعواقب تلك المشكلة وأبرزها
السجن ..
خلال عشرين عاماً من بذل
الجهد وعدم الاعتراف بما نسميه " الفشل" ، وأن ما أصابه نتيجة سوء تقدير
منه لمجموعة مواقف حياتية أدت به إلى
الإفلاس ، وتحمل آلام الدّين وقلة ذوق أو جبروت بعض الدائنين .. خلال تلك الفترة
انتعشت حياته من جديد وتخلص من أزمته ، بل أكثر من هذا أصبح رئيساً عام 1945 لأقوى
إمبراطورية ظهرت على وجه الأرض .. رئيس الولايات المتحدة الأمريكية . تولى ذاك
المديون ، الذي عاش فترة دون عمل ، أهم وأعلى منصب يمكن أن يصله إنسان اليوم ..
تخيل لو أن النموذج الذي
نتحدث عنه وهو الرئيس الأمريكي ترومان ، قد استسلم للفشل ، واعتبر أن حياته قد انتهت تقريباً ،
وأنه لا مجال أمامه للخروج من عذابه سوى الإعلان عن الإفلاس وعدم المقدرة على سداد
الديون ، ويرضى بذلك أن يقبع في غياهب السجون سنوات طوال ، تذهب ساعات حياته وقواه
العقلية والبدنية في اللاشيء أو في فراغات وساحات السجن ..
كلنا مر بتجارب عديدة في
الحياة ، سواء على المستوى الإنساني الاجتماعي أو العملي أو المالي أو غيرها من
مجالات .. نفشل في بعضها وننجح في البعض الآخر . البعض ما إن يخفق أو يفشل في أول
تجربة ، تجده يرتبك ويصل سريعاً إلى حالة الإحباط وكأن الحياة قد انتهت أو شارفت
على الانتهاء ، فلا يعيد الكرة والمحاولة ، فيما هناك بعضٌ آخر لا يستسلم سريعاً ،
لأنه يدرك أن الإخفاق في عمل ما ، إنما هو نتيجة سوء تقدير منه أو عدم حل معادلة
النجاح لذاك العمل بشكل صحيح ، فيعيد المحاولة تلو الأخرى ، كما لو أنه أمام مسألة
في الرياضيات ..
إذ لا يمكن أن يصل للإجابة الصحيحة إلا وفق قوانين صارمة دقيقة لا
مجال في التحايل معها أو تجاهلها ، فهكذا هي قوانين الحياة ، كلما كنت دقيقاً في
اتباعها بالشكل الذي وضعه الخالق جل وعلا ، كلما أنجزت وحققت النجاحات أو توصلت
للحلول الصحيحة لمعادلات الحياة المتنوعة ..
قديماً قالوا : ليس
الفخر ألا تسقط ، ولكن الفخر أن تنهض كلما سقطت .. وأي ناجح تراه اليوم ، لا تتسرع
وتظن بك الظنون أنه نجح من الخطوة الأولى ، بل هو شخص ذاق الفشل ومرارته حتى تمكن
من حل معادلة النجاح ، فاستمر وظهر ونجح حتى عرفت أنت وأنا وذاك عنه وعن نجاحاته ،
ولكننا لم ننظر إلى المرحلة التي سبقت نجاحه وكيف عاشها ، وهي على الأغلب فترات
خافية لا تظهر سريعاً ولا الأضواء تتقبلها ، ويمكن اعتبارها كفترات تدريب قاسية من
أجل ظهور قوي يلفت الأنظار قبل الأضواء ، أو هكذا يجب أن تكون معالجة الفشل
والإخفاق ، وليكن قدوتنا في عدم اليأس
والركون إلى مشاعر الفشل المحبطة ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي عانى
الكثير قبل أن يتلقى الدعم الإلهي ومن ثم البشري ، فيحقق ما لم يحققه أي نبي ورسول
قبله .. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .