مما يُحكى من قصص في عالم التجارة وكسب المال، أن
مديراً لإحدى الشركات الباحثة عن مشاريع استثمارية جديدة في البلدان النامية، بعث
أحد مندوبي المبيعات بالشركة إلى واحدة من تلك البلدان النامية الفقيرة، ليبحث عن
أي إمكانية للاستثمار.. ذهب المندوب وجلس عدة أيام ولم يلحظ ما يستحق، فرجع إلى
مديره وقال: لم أجد أي فرصة استثمارية في ذاك البلد الفقير، الذي أغلب سكانه حفاة
لا يلبسون الأحذية..
لم تمر العبارة الأخيرة للمندوب مرور الكرام عن
المدير.. حيث شعر وبثقة عالية أن الاستثمار ما زال ممكناً في هذا البلد، فبعث
مندوباً آخر لنفس المهمة. سافر المندوب الثاني ولم يمكث إلا قليلاً حتى عاد فرحاً
مسروراً ودخل على مديره مسرعاً يريد أن يبشره بنتائج زيارته.. قال للمدير: وجدت
أعظم فرصة استثمارية في هذا البلد.. الناس هناك حفاة، وبالتالي توجد لدينا فرصة
رائعة أن نبيعهم أحذية!!
سواء كانت القصة حقيقية أم خيالية، فإنما هي
نموذج رائع لبيان حقيقة حياتية مهمة تتلخص في أن كل واحد منا له نظرته الخاصة
للأمور والأشياء. كل واحد منا يختلف عن الآخر، في التفكير، التخطيط، التعامل مع
الناس والأشياء، الفهم، الإدراك، النظرة للحياة وغيرها كثير كثير.. وهذا الاختلاف
وهذا التباين بين البشر رحمة بل هو سر من أسرار جماليات الحياة.
كل واحد منا عالم بذاته.. له شخصيته المتفردة
ونكهته وذوقه وصفاته وغيرها من أمور لا تتشابه مع أحد، وقد تتقاطع مع آخرين في
أمور متشابهات، لكن مع ذلك سيظل كل واحد منا يختلف عن الآخر.. فكل واحد منا، كما
أنه خلقه الخالق متفرداً ومتميزاً عن غيره في كثير من النواحي الفسيولوجية أو
التكوين الحيوي له، فكذلك يتميز أي أحد منا بآرائه ونظراته.. أنت لك نظرة لأمر ما
تختلف عن الآخر، حتى لو كان هذا الآخر من أقرب المقربين إليك، أخ أو أخت أو زوجة
أو حتى أحد أبنائك..
هذا مفهوم ربما يغيب عن كثيرين، وبسبب غيابه تحدث
المتنافرات والاختلافات، وربما المشاجرات إن تعمّق عدم الفهم.. فليس عليك أن تُجبر
غيرك على رأي واحد، وليس على غيرك القيام بالمثل معك. هذا المفهوم ينطبق أيضاً على
كثير من الوقائع الحياتية اليومية..
خذ هذا المثال .. فقد يرد إليك مثلاً خبر ما فتنظر إليه بأنه
سار وسعيد.. وهنا دعني أسألك وأقول: لماذا لم تقل إنه خبر سيء؟ بل ما الذي دعاك
إلى اتخاذ ذلك الرأي؟
الإجابة وبكل وضوح هي رؤيتك للأمور حولك.. أنت قد
تجد الخبر ساراً، فيما يراه غيرك سيئاً أو العكس، والنقطة المهمة ها هنا أنه ليس
أي أحد منكما على صواب أو على خطأ، فلكل واحد منكما رؤيته وفلسفته في هذه الحياة
وطريقة تفكير تختلف عن الآخر..
بهذا المفهوم الذي لو تأملناه بشيء من العمق،
وصار منهجاً نسير عليه في حياتنا، ما ساد شقاق وخلاف وقطيعة بيننا، لا في بيوتنا
أو أعمالنا أو حياتنا بشكل عام.. وهكذا هو فهمي للمسألة، فهل أنتم كذلك، أم لكم
فهم آخر يختلف؟ أكون سعيداً لأي فهم أو رؤية مختلفة.. فلنتحاور ونتشارك في الأفهام..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق