أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الثلاثاء، 10 يوليو 2012

نعم .. لمسلسل الفاروق عمر !!



                            رحمك الله أبا حفص .. فقد أشغلت الناس حياً وميتاً ..
مسلسل عمر الفاروق الذي ينتجه تلفزيون قطر مع مجموعة إم بي سي الإعلامية السعودية، قفز فجأة لواجهة الإعلام ، ليشعل خلافاً كالمعتاد قبيل شهر رمضان المبارك، حيث الاختلاف المعتاد على أغلب الأشياء .. إذ كالعادة نختلف على رؤية الهلال وعلى زكاة الفطر وعلى أحكام الصيام الكثيرة وغيرها من مسائل ، ليجيء هذا العام مسلسل الفاروق رضي الله عنه، ليضيف خلافاً جديداً إلى قائمة الاختلافات بين المسلمين ..

   الضجة المثارة بدأت بعد عرض الأفلام الدعائية للمسلسل في تلفزيون قطر ومحطة إم بي سي ، رغم أنه تم الإعلان عن إنتاجه قبل أكثر من عام ونصف ! وانقسم المسلمون إلى فرقتين.. أولى رافضة تماماً للفكرة من أساسها ، وفرقة ثانية مؤيدة .

   الفرقة المؤيدة للمسلسل طرحت رؤيتها بهدوء ولم تدخل في نقاشات كثيرة، فيما الفرقة الأولى التي ترفض المسلسل جملة وتفصيلاً ، حرمت العمل ، وأوصله البعض إلى درجة الجريمة ، بل وتعمق بعض رموز تلك الفرقة إلى تفسيق وتبديع وزندقة من يؤيدون العمل ، وأغلظت في القول ضد مؤيدي إنتاج المسلسل  ..

   في ديننا وعقيدتنا ، الأنبياء لهم وضع خاص وقدسية لا يجب أن تٌمس . أما الصحابة الكرام رغم مرتبتهم العظيمة في خدمة الإسلام والمسلمين ، فهم لم يصلوا إلى مرتبة الأنبياء بل ظلوا بشراً لهم مكانتهم واحترامهم عندنا .. والنقاش الدائر الآن حول مسلسل الفاروق رضي الله عنه وأرضاه ، وتحديداً حول مسألة تجسيد بعض الصحابة الكرام العظام كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، فهو أمر خلافي .

    لا يوجد نص قاطع لا من الكتاب ولا السنة الشريفة يقضي بتحريم تجسيد الصحابة عبر التمثيل أو حتى الرسم ، وهذا ما أدى إلى الخلاف ووجود أكثر من رأي حول مسألة جديدة ، كالتمثيل السينمائي تحديداً ، حيث لم يكن مثل هذا الفن حاضراً أو له وجود وقت نزول القرآن وفي حياة خير البشر عليه أفضل الصلاة والسلام ..

 المسألة اجتهادية إذن ، وطالما الأمر كذلك ، فلا يجوز لي أن أجبر الآخرين على إتباع الرأي الذي أميل إليه وأعتنقه واعتقد صوابه.. هكذا الأمر في الفقه أو كما يقول الفقهاء.. والمسلسل يقع ضمن الأمور المختلف عليها بين العلماء وتتجدد بين حين وآخر . 

   مسلسل الفاروق ، أجازه علماء كثيرون فيما اعترض عليه آخرون ولم يجيزوه . هذا له رأيه وذاك بالمثل . لكن المهم أن العمل من الناحية الفنية ضخم جداً وتكلفته عالية ، لكن مع ذلك أرى أنه جزء يسير من إظهار الصورة العظيمة لرجل عظيم كالفاروق عمر رضي الله عنه، وأجد الأجيال بحاجة إلى أن تستشعر وترى عظماءها في أعمال فنية راقية عظيمة ، مستثمرين التقنيات الحديثة والتكنولوجيا في تعزيز ذلك ، ومنها تقنيات التمثيل أو فن السينما بشكل عام .  

   في حقيقة الأمر ، موضوعي اليوم ليس عن المسلسل ، رغم المقدمة الطويلة .. فالخلاف الدائر حول المسلسل إنما في حقيقته ، ليس حوله بقدر ما هو  صراع بين مدارس فقهية مختلفة ، أو لنكن أكثر وضوحاً ، ونقول ، خلافات العلماء بين بعضهم البعض ، والتي قد تصل أحياناً للأسف إلى درجة غير مقبولة من ضيق الصدور وخاصة بين تلاميذهم .

   مسلسل الفاروق هو ضحية خلافات أو صراعات بين رموز دينية إسلامية ، ، إن صح وجاز لنا التعبير ، وصار المسلسل ميداناً  لذاك الصراع الدائر منذ فترة ليست بالقصيرة في أوساط وميادين إعلامية عديدة بين تلك الرموز .. وأحسب أن وجود أسماء بارزة في اللجنة التي أجازت المسلسل نصاً وتاريخاً وفقهاً ، كالشيخ القرضاوي والعودة كأبرز اسمين مثيـرين للجدال والخلاف والنقاش في السنوات العشر الأخيرة ، هو أحد أسباب هذا الخلاف أو الصراع على المسلسل ..

   إن خدمة الإسلام العظيم لا تقتصر في كتب أو محاضرات أو ندوات هنا وهناك فحسب، بل تتنوع وتتوسع تلك الخدمات والإسهامات مع تقدم العصر وتقنياته. وأحسب أن مجالاً مؤثراً كالسينما بإمكانه التأثير في المسلم وغير المسلم بشكل عميق ، إن استطعنا استثماره بالشكل الصحيح ووظفناه في خدمة نشر وتعـزيز هذا الدين .

   لكن الحاصل هو العكس . فلقد تم تجريم وتحريم هذا الفن باعتبار من فيه من بشر!!  لكن الأصل أنه مباح ولكن تجاهلنا له وجهلنا في التعامل معه ، أدى أن يدخله كل صاحب هم وفكر،  وينتج ما شاء له أن ينتج ، حتى إذا ما خرج عمله إلى الأضواء والنور ، وجدتنا نقوم كالعادة بدور " رد الفعل " والتهويل والتجريم والتحريم .. وتضيع طاقاتنا سدى في مثل تلك التصرفات وردود الأفعال غير المنتجة .. فأين المبادرة والتوجيه واستثمار الطاقات والأدوات ؟

    إن الموضوع متشعب وكبير ويحتاج إلى بحث ونقاش طويل . ولا أقصد المسلسل ، بل ما يدور حوله وهو الأساس ،  لأن مثل هذا الخلاف سيتجدد وسيتكرر بين الحين والحين حول موضوعات كثيرة خلافية لا وجود لنصوص قاطعة صريحة فيها .. وسيتكرر هذا الخلاف أيضاً طالما بقيت العقلية الإقصائية موجودة بيننا ، وبقيت الآفاق قصيرة لا ترى سوى نفسها وتهمش الآخرين ..

   حين نرتقي في خلافاتنا، وتكون آفاقنا بعيدة ، وصدورنا فسيحة ، ونحترم المخالف ولا نجبره على رأي لا يتفق معه ، حينها فقط لن نجد مثل هذه الضجة حول مسلسل أو عمل فني واحد ، وكأن قضايا الأمة وهمومها انتهت إلا من مسلسل عمر الفاروق ، الذي ننتظره بفارغ الصبر والشوق في رمضان ، والذي نسأله سبحانه أن يبلغنا وإياكم ويبارك لنا ما تبقى من شعبان ..  


ليست هناك تعليقات: