في اليوم الثاني للانتخابات الرئاسية التي جرت الشهر الماضي ، اعتبرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية أن الانتخابات الرئاسية المصرية قد أجبرت المسؤولين الإسرائيليين على البقاء مستيقظين ليلاً، خوفاً من احتمال تحول صديقتها المقربة إلى عدو! وأضافت بأنه رغم عدم إعلان النتائج النهائية ، إلا أن صنّاع القرار في تل أبيب بدأوا بالفعل في وضع سيناريوهات سيئة تحسباً للموقف.. وأضافت المجلة بأنه رغم أخطاء الرئيس المخلوع حسني مبارك، فقد كان حليفاً لإسرائيل وكان من السهل الاعتماد عليه لمدة ثلاثة عقود وإن كان بعيداً..
وترى صحيفة "واشنطن بوست " الأمريكية بأن الدعم الذي تلقاه مرسي في يومي التصويت يعتبر أحدث علامة على اكتساب التيار الإسلامي السياسي أكبر حصة من مكتسبات الثورات الإقليمية في المنطقة بعد سقوط العديد من الحكام المستبدين على أيدي شعوبهم.
يتضح مما سبق أن الخارج المحيط بمصر لاسيما الدولة الاسرائيلية تتابع باهتمام بالغ شديد لأحداث الجارة الكبيرة ، بعد عقود ثلاثة من الهدوء شبه التام ، وضمان استقرار جبهة طويلة عريضة مع دولة ، كان لها الأثر الأكبر في صراع البقاء بالمنطقة ، في الحرب والسلم ..
وحين نتحدث عن الدولة الإسرائيلية فلابد أن الولايات المتحدة حاضرة في المشهد وبقوة أيضاً ، باعتبار أن مصر حليف استراتيجي ودولة محورية تعتمد عليها واشنطن في كثير من اهدافها الاستراتيجية بالمنطقة ، ومعلوم أن المصالح الاستراتيجية الأمريكية يتم الحفاظ عليها وحمايتها بكل الوسائل ، العسكرية منها أو السياسية أو غيرها من وسائل.
ولأن ما يجري على الساحة العربية منذ العام الفائت ، الذي لا يمكن الاستهانه به ، بل وربما أربك حسابات كثير من القوى النافذة بالعالم ، منها الولايات المتحدة ومعها اسرائيل ، فإن الرصد الدقيق والمتابعة العميقة لما يجري بمصر من تحول دراماتيكي وإن بدا بطيئاً ، يستحق أن يلقى كل اهتمام لما لها من تأثيرات بالغة على العاصمتين ، تل أبيب وواشنطن.
هذا الاهتمام انتقل بالضرورة إلى بقية الغرب وكذلك الشرق ، فإن غياب أو تغييب مصر ، إن صح وجاز التعبير ، عن المشهد السياسي العربي ، والتقليل من دور هذه الدولة المحورية في المنطقة العربية ، عبر اشغالها بالداخل واغراقها فيه ، جعلها دولة قليلة التأثير والتوجيه ، فتفرق العرب تبعاً لذلك شرقاً وغرباً ، والأمثلة أكثر من أن تُحصى .
التغيير الذي يحصل الآن في مصر ، بل وصول الإسلاميين ليكونوا أرقاماً صعبة في المشهد السياسي ، جعل من كافة الدول ذات المصالح والعلاقة مع مصر ، تعيد حساباتها ونظرتها إلى قوى الإسلام السياسي ، ليس لشيء سوى الحفاظ على مصالحها، وهي دول يديرها ساسة وأصحاب مصالح ، فحيث المصلحة ، يدير احدهم دفة بلاده نحوها، اعتماداً على المبدأ المعروف في عالم السياسة، لا عدو دائم ولا صديق دائم ، ولكن مصلحة دائمة .
بهذا المنطق سيتعامل الغرب ، وعلى رأسه الولايات المتحدة ومعها بالطبع إسرائيل، مع الرئيس القادم لمصر أو الجمهورية الجديدة التي سيرأسها ، كما يبدو حتى لحظة كتابة هذا المقال - صباح الإثنين 28 من رجب 1433 هـ الموافق 18 يونيو 2012م – أنه الدكتور محمد مرسي ، مرشح جماعة الإخوان المسلمين .
سيجد الغرب نفسه مجبراً على التعامل مع الإسلام السياسي كما يحلو للبعض هذه التسمية ، والذي صار يدير بلدان عربية عدة ، وهو ، أي الغرب ، يدرك تمام الإدراك أن من يمثلون هذا الفكر يميلون أيضاً التعامل مع الآخرين بالمنطق الذي تحدثنا عنه ، باعتبار أن هذا هو المنطق المقبول في عالم المصالح والعلاقات المتشابكة التي لا يستغنى أحد عن الآخر بالسهولة التي يمكن أن نتصورها ، أو التي يتصورها البعض الداعي إلى الانعزال وتحقيق شخصية مستقلة ، والتي أجدها صعبة بعض الشيء قياساً بالمدة الزمنية والخبرة العملية وآليات التعاون الدولي .
إذن من هذا المنطلق ، أجد من الضرورة بمكان على الرئيس القادم ، وغالباً هو الدكتور مرسي ، أن يوجه اهتماماً كبيراً إلى تحديات الخارج ، التي يمكنه مواجهتها أو التعامل الآمن معها وفق منطق المصلحة والتعاون ، لا الوقوع في فخ الاستدراج من الداخل أو بعض الخارج لاستعداء الآخرين .
إن مصر في وضع لا يسمح لها أبداً معاداة أي جهة ، حتى الدولة الإسرائيلية التي أجد أنها هي من ستبادر إلى الإبقاء على الهدنة أو الهدوء بين الطرفين ، وإطالة أمد هذا الهدوء قدر المستطاع ، والذي فيه مصلحة كبيرة لمصر أكثر م ما للدولة الإسرائيلية .
إدارة أوباما مثلاً تراهن بشكل كبير على الثورة المصرية وقد وضعت سيناريوهات متعددة لكلا النتائج. فإذا فاز الدكتور مرسي ، فسوف تسارع بتقديم حزمة مساعدات اقتصادية سريعة واعتقادها بأن تلك المساعدات سوف تؤثر وتظهر تقدماً اقتصادياً يساعد مصر على الاستقرار في حين تبدي عدم ارتياح إن فاز شفيق ، حيث تتوقع إدارة أوباما ، بأن شفيق سيشن حملة صارمة على المتظاهرين الذين سيخرجون إلى الشوارع والميادين وما يمكن أن ينتج عن ذلك.
هذا نموذج لرؤية دولة كبيرة مثل الولايات المتحدة في كيفية التعامل مع وضع جديد في دولة حليفة ومحورية بمنطقة إستراتيجية بالنسبة لها . بمثل هذا المنطق أرى أن يتعامل الرئيس الجديد أو مصر الجديدة مع الآخرين ، بل لا يمنع مانع أن يكون ساسة مصر الجديدة ملتزمين ويصلون ويزكون ويفعلون الخيرات ، وفي الوقت ذاته يمارسون سياسة التعامل مع الغير ، عرباً وعجماً ، ولهم في ذلك ، رسول الله أسوة حسنة .. وربما هي فرصة سانحة أيضا لمصر الجديدة بقيادة ساستها الجدد ، لتعريف العالم المشوش فكره وذهنه عن الإسلام ،على انه دين التسامح والسلام والتعامل الراقي مع الغير ، عكس ما يشاع أو يراد له أن يكون في الأذهان ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق