أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الأحد، 8 أبريل 2012

مشروع الدرع الصاروخي ..هل يحمي الخليج؟


المنتدى الإستراتيجي الأول بين الخليج والولايات المتحدة الأمريكية الذي استضافته الرياض قبل أيام، بحضور وزراء خارجية دول المجلس ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، تم الاتفاق فيه على تكوين لجنة أمنية مشتركة مع واشنطن، لدراسة إنشاء درع صاروخية لحماية دول مجلس التعاون الخليجي، وجددت واشنطن التزامها بالوقوف مع دول مجلس التعاون، وأن واشنطن صلبة في التزاماتها تجاه دول المجلس، بحسب ما جاء في تصريح كلينتون.
  أثار الموضوع ردود فعل مختلفة إقليمية ودولية، ما بين معترض ومتحفظ.. روسيا والصين تتحفظان على مشروعات الدروع الصاروخية الأمريكية حول العالم، منذ انفراد الولايات المتحدة بقيادة العالم بعد انهيار القطب الموازي الإستراتيجي لها وهو الاتحاد السوفييتي، على اعتبار أن تلك المشروعات تعمل على الإخلال بالتوازن الإستراتيجي بينهما وبين الولايات المتحدة..  فيما اعترضت إيران وبشدة، ولكن بشكل غير مباشر عبر توجيه رسالة تحذيرية من وزير الدفاع العميد وحيدي لدول التعاون بعدم المشاركة في المشروع، باعتباره مشروعاً أمريكياً صهيونياً، وأن كل من يشارك في هذا المشروع، يلعب لعبة الولايات المتحدة وإسرائيل”. وقال وحيدي “رفضنا منذ البدء هذا المشروع الذي يهدد الأمن الإقليمي، وننصح أصدقاءنا بعدم الدخول في لعبة كهذه”.
   الخليجيون عبر وزراء الخارجية الذين اجتمعوا مع كلينتون، رحبوا بالمشروع، فيما قال مراقبون خليجيون إن المشروع تأخر كثيراً، وكان لا بد من المضي قدماً فيه بعد أحداث عام 1990 وأن هذه الدرع ستشكل بعدًا دفاعيًا لمنطقة الخليج، وتزيد مساحة الثقة في وقوف الأمريكيين مع المجلس، بعدما اهتزت الثقة بسبب مواقف واشنطن من أحداث البحرين التي لم تهدأ بعد ..
المشروع يدعونا إلى طرح جملة أسئلة، وظني أن التوصل للإجابة عليها سيعين في فهمه، وبالتالي الحكم عليه. أول تلك الأسئلة يدور حول التوقيت، ولماذا تطرح واشنطن مثل هذا المشروع الآن، وفي منطقة تشهد غلياناً أو بدايات من ذاك الغليان على المستوى الداخلي، بسبب تأثيرات الخارج المحيط والمتمثل في الربيع العربي وأبرز محطاته الحالية سوريا.. ولماذا رحب الخليجيون بالمشروع، ولماذا اعترضت إيران وتتحفظ الصين وروسيا؟ هل للمشروع علاقة بما يجري في سوريا؟ هل المشروع عامل استقرار أم تهديد لمسألة الأمن القومي لدول التعاون؟
  لا شك في أن الأمن القومي لدول التعاون عامل مهم لاستقرار المنطقة، وأي تهديد له من شأنه إحداث هزات سلبية مؤثرة، ليس على النطاق الإقليمي فحسب، بل على العالم بأسره، وشواهد ذلك من التاريخ كثيرة، ولا مجال لحصرها ها هنا في مساحة محدودة كهذه، لكن أبرزها، للتذكير فقط، احتلال العراق الكويت عام 90، وحرب الولايات المتحدة على العراق عام2003، وقبلهما الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثمانية أعوام وانتهت عام 1988..
  في الاعتقاد الرسمي وكذلك الشعبي الخليجي، أن الأمن القومي لا بد من حمايته بقوة مادية عسكرية هائلة، لن تصل منظومة التعاون إليها قريباً، وبالتالي سيظل الاعتماد في حماية الأمن القومي الخليجي على قوى خارجية، إلى وقت ربما لا يبدو في الأفق أي مؤشرات على أن له حدًّا. وأبرز تلك القوى هي الولايات المتحدة كما تبدو، ولا ينافسها أحد في المنظور القريب. وبما أن هذا الاعتقاد شبه مترسخ في الوجدان الرسمي الخليجي، وانتقل إلى الشعبي الخليجي أيضاً، فإن واشنطن حين عرضت المشروع، ليس من باب الاستشارة، بقدر ما هو للعلم واتخاذ ما يلزم من إجراءات للبدء بتنفيذه بأسرع ما يمكن، وخاصة أن القلق الخليجي يتعاظم يوماً بعد آخر بسبب التطورات الحاصلة على الضفة الأخرى للخليج في إيران .   تحذيرات إيران للخليج بعدم المشاركة في المشروع، لن تجدي نفعاً، ولن تثني دول التعاون عن المضي مع واشنطن فيه، لسبب أراه الأبرز والأهم، وربما الوحيد، يمتمثل في الثقة التي تتضاءل بين الطرفين، ويزداد عدم الثقة عمقاً بين طهران ودول التعاون، على خلفية ما يجري على الساحة السورية الآن ..
أزمة الثقة هذه انتقلت أيضاً إلى واشنطن والغرب عموماً مع إيران، على خلفية الصراع الدبلوماسي الحاصل بين الطرفين بسبب مشروعات الأخيرة في المجال النووي. هذا النشاط النووي الذي خلق جوا من عدم الاستقرار في الخليج لدى دول التعاون، عامل مساعد مهم في ترحيب الخليجيين بأية مبادرة يمكنها حماية المنطقة منه، رغم إدراك دول التعاون خطورة الارتهان في الحفاظ على أمنهم القومي على قوة خارجية كالولايات المتحدة ..
  نأتي إلى تساؤل آخر حول علاقة المشروع بالحاصل الآن في سوريا .. وشخصياً لا أستبعد أن توقيت طرح مشروع الدرع الصاروخية أمر مخطط ومدروس، والثورة السورية عامل مهم في هذا التوقيت. إن مثل هذا المشروع يمس إيران بالدرجة الأولى، وهو تهديد إستراتيجي لها، والحكمة تقتضي التعاون مع قوة كبيرة كالولايات المتحدة تملك من القوة العسكرية ما يمكن أن يشكل تهديداً لمقدرات إيران. هذا التعاون بكل وضوح واختصار، يتمثل في رفع اليد عن سوريا والتخلي عن هذا الحليف ليواجه قدره بنفسه، وهذا إن تم فعلاً، فإن القوتين المعرقلتين لأية جهود دولية تجاه سوريا، وهما روسيا والصين، لن تجدا أي مبرر للتحجر في مواقفهما تجاه سوريا. فهل هذه الدرع الصاروخية عبارة عن رسالة عملية لإيران وحليفتيها روسيا والصين، أكثر من كونها مشروعاً تجارياً تنعش سوق السلاح الأمريكي، وهو بالمناسبة ليس أمراً مستبعداً كذلك.
   نأتي لتساؤل آخر مهم يرتبط بالأمن القومي الخليجي.. هل هذا المشروع عامل استقرار للمنطقة أم عامل تهديد دائم، يبتز صاحبه أهل المنطقة أكثر مما يساعد على الاستقرار وسريان شعور الأمن والأمان فيها ؟  لن نتحدث عن القناعات الرسمية الخليجية حول المشروع، لكن ما يبدو في الظاهر أن هناك شبه غياب لإستراتيجية أمنية وعسكرية ذاتية لدى منظومة التعاون الخليجي. وهذا الغياب أو التغييب للإستراتيجية الخاصة بالأمن القومي الخليجي، ربما سببه تلك القناعات القائلة بأن أمن المنطقة مسؤولية العالم كله، لاسيما القوى المتنفذة صاحبة الإمكانيات العسكرية والمادية الهائلة كالولايات المتحدة، ومعها حلف الناتو، وليس من يعيش فيها. وهذا ما يفسر سر انتشار القواعد العسكرية الأمريكية في دول التعاون .
  السؤال الأخير .. إلى متى سيبقى مجلس التعاون الخليجي أسير صراع وتدافع مستمر بين واشنطن وقوى إقليمية كبيرة في المنطقة مثل إيران حالياً ومعها العراق سابقاً، وربما قوة مستقبلية جديدة تتعملق فجأة، وتدخل حلبة الصراع على الخليج مع الولايات المتحدة، ليستمر الفيلم أو المشهد السينمائي، إن صح التعبير،  مع تغيير الأبطال ؟


ليست هناك تعليقات: