ما اجتمعت بمجموعة أو التحقت بورشة عمل أو دورة أو ذهبت وجلست مجلسا، سواء بالبيت أو العمل أو أي مكان آخر، إلا وجدت شكوى هنا وأخرى هناك، من هذا وذاك وتلك.. وبالطبع تجد الشكاوى من الوضع الاقتصادي وارتفاع الأسعار والغلاء الفاحش في البلد، ومرورا بالوضع السياسي العربي ، ووصولا إلى الأحوال في العمل، وأحيانا إلى أجواء المنازل، من زوجات وعيال وخدم ومن على شاكلتهم، حتى الطقس والمأكل والمشرب ، صرنا نشتكي منها !
تجلس مثلاً إلى هامور من هوامير السوق، وإذا بك تسمع شكاواه من الحال والأحوال.. التجارة راكدة،الزبائن عن الشراء والتبضّع شاردة، والسوق لا يبشر بخير، وخسائرنا كثيرة، وتراه يحسد تجار دبي وهونغ كونغ وشنغهاي على ما هم عليه، وما هي عليه تجارتهم !
تجلـس إلى موظـف من كبار الموظـفين المترفين، فتراه لا يختلف عن ذاك التاجر.. الهم هو نفسه والشكوى من المسؤول الأعلى والوضع في العمل، وأن مسألة قتل الكفاءات مع سبق الإصرار والترصد هو الحاصل الآن في دائرته أو الوزارة التي يعمل بها ، وأنه يغبط زملاءه العاملين في الوزارات الأخرى التي فيها كذا وكذا من المميزات والتسهيلات !
تذهب إلى عالم الفقراء والعمال الكادحين، وتقول: لعل فقرهم يحميهم من هموم الأغنياء أو الميسورين، فتكون المفاجأة أنهم في الهوى سواء، كما تقول العامة، وشكاواهم مريرة من الكفلاء النصابين الغادرين، أو من ضعف الراتب الشهري وكثرة الالتزامات التي تأكل أجزاء كبيرة من دخولهم الشهرية الضعيفة أساساً !
تقول لنفسك : لعل هذا حاصل في عالم الرجال فقط وغير موجود في عالم النساء، فإذا بك تدخل عالما عجيبا هو الشكوى ذاتها ! هذه تشتكي حماتها وأخرى زوجها، وثالثة ضرتها، ورابعة من بخل زوجها، وعذراء تشكو حبيبها، وحامل تشكو من جنينها، وغيورة ارتفع ضغطها من حركات عين زوجها أمام مذيعات الفضائيات إلى آخر قائمة طويلة لا أحسب أن لها نهاية !
لكن العالم الأخير الذي لا شكوى فيه، هو عالم الأطفال البريء، أو كما يفترض أن يكون.. لكن المفاجأة صاعقة حين تسمع أطفالك يشتكون من قلة أماكن التسلية، أو مللهم من أماكن اعتادوا الذهاب إليها، أو تراهم يشتكون من التلفزيون وثقل برامج بعض القنوات، أو تراهم يزدادون في الغي حين يطالبونك بالسفر، وليس أي سفر!!
بعد هذه الرحلة الطويلة من الشكاوى تصل أنت في النهاية إلى حقيقة واقعة تريد الإفصاح عن نفسها وهي أن الكل يشتكي، الصغير قبل الكبير، والمرأة قبل الرجل، والغني قبل الفقير.. وتدفعك تلك الحقيقة إلى التساؤل عن السر في الأمر .
ستكتشف بعد قليل تدبر وتأمل ، أن السر كامن في الإنسان نفسه، الذي لا يدري ماذا يريد، وكيف يريد ومتى يريد وإلى أي حد؟ فهل هي ضريبة التمدن ويسر العيش، أم أنها حقيقة بيولوجية في البشر، أم هي فطرة في الإنسان أنه عجول ملول لا يصبر؟ الأسئلة قد تكثر، والإجابات قد تتعدد، ولكن يبقى الإنسان يشتكي ويشتكي إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا..
هناك تعليقان (2):
نعم ..الكل يشتكي..وسيظل يشتكي ومن قلبه ومن خاطره ومن كل شيء .. إلى ان تشتكي الأرض التي تحمله وتحمل همومه وشكواه من ثقل الذنوب وهي لم تشتكي منه منذ ولادته إلا حين يفرش بطنها ليسجى جسده المليء بالذنوب وبالشكاوي وبالخير والشر ومن كل شيء..عندها ستشكي منك لرب العباد ..الذي نسيت أن تبث شكواك إليه بكرة واصيلة..لنشتكي ولكن ليس لغير الله..يكفي غيرنا من ما هو فيه من هموم..لنشتكي لمن يبث الطمانينة في قلوبنا..لنشتكي له لنجد الراحة ..بجد طرحك رائع استاذي
لو كان عندهم القناعة لما تشكّى أحدٌ منهم.
فحسبت وأنا أقرأ عندما وصلت إلى الفقراء أنهم لن يتشكّوا ، لكن اتضح أن قصدك الجميع يتشكّى ولعل هذا فيه صحيح، لكن لمَ ؟
- الجواب واضح .
الشكوى دليل عدم الراحة، وعدم الراحة مع وجود كل الترف الذي ذكرته يدل على عدم تحقيق الغاية الفعليّة ، فمن يبحث عن المال ووجده لم يشعر بالراحة لأنه لم يعرف ماذا يريد فعلاً ؟
ومن يبحث عن المنصب أو الشهرة أيضاً لم يعرف ما يريد! ، لو عرف كل واحد منا ما يريده فعلاً ووصل إليه لشعر بسعادة بالغة وراحة نفسية كبيرة .
اللهم إنا نسألك القناعة برزقك الذي قسمته لنا .
شكراً جزيلاً على هذا الطرح .
إرسال تعليق