أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الخميس، 6 ديسمبر 2012

ماذا لو رحل مرسي فعلاً ؟


  لأننا كعرب ارتضينا أن تلعب مصر الدور القيادي في هذه الأمة، ولأننا نتأثر سلباً أو إيجاباً بتطورات الأحداث فيها، فقد كان لزاماً على كل عربي مهتم بأمور وطنه العربي الكبير أن يتابع التطورات والأحداث المتلاحقة في مصر، وأن يساهم بالممكن في الخروج من أزمة هي معقدة وطاحنة، ليس للمصريين فحسب، بل أزعم أنها كذلك لكل العرب.

    ما يحدث الآن في مصر يُشعرك بأن أمراً ما كان يتم ترتيبه وإعداده ليخرج إلى النور في وقت محدد، ولكن الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي، أدى بتسريع ظهور ما كان يتم الترتيب له، وشواهد ذلك ربما تتضح لمن تابع تطورات الأحداث خلال العشرة أيام الفائتة، حيث التدرج الواضح في التصعيد ضد الرئيس، تارة بعذر الإعلان الدستوري وتارة أخرى بارتباطه بجماعة الإخوان المسلمين، وثالثاً برغبته في إحياء وصناعة الدكتاتورية من جديد!!

   بالرجوع إلى الوراء وصولاً إلى أحداث غزة الأخيرة، ودور مصر البارز في سرعة إنهاء العدوان الإسرائيلي، وبروز اسم الرئيس مرسي كعامل رئيسي في الأحداث، نجد أن الأمر قد تم رصده وبحثه ودراسته من جهات عديدة تهمها أمر مصر ومستقبل هذا البلد، وأن ما جرى بغزة لابد ألا يمر مرور الكرام وبسهولة.

   التزامن الغريب في نشر مفاهيم ومصطلحات ونوعية معينة من التقارير والأخبار والمواد الإعلامية لبعض الجهات الإعلامية في بريطانيا والولايات المتحدة وأخرى من جهة الشرق وتحديداً إيران، إضافة إلى الداخل المصري وبعض أقطار عربية ووسائل إعلام عربية، وبروز مصطلح من قبيل “الدكتاتور” أو “الدكتاتورية” وربط اسم مرسي بهتلر وموسوليني، أو ظهور مصطلح “فرعون” في تلك المواد الإعلامية، وأخرى مثل “الإخوان وسرقة الثورة”، ومصطلحات أخرى تخدم السياق نفسه مثل “الحكم الديني، السلفي، الوهابي، الخميني، الفكر المتشدد، التعطش للحكم، الأخونة” وغيرها كثير.. كل ذلك لابد أن يجذب الانتباه والأنظار إلى أن أمراً ما يُراد له أن يحدث في مصر ليس، وليس فقط، إلغاء الاعلان الدستوري.. إنه أمر أكبر من ذلك بكثير.
 
   نعود للبداية لنعيد ونكرر القول بأن الدور القيادي لمصر في الأمة والمؤثر على مجريات كثير من الأمور في الوطن العربي الكبير، يدفع إلى القول بأن الثورة المصرية ضمن ثورات الربيع العربي هي الأهم والأبرز، وأن ما يحدث أو سيحدث لها، نتيجته ستؤثر على بقية دول الثورات، ومستقبلاً على بقية الدول المرشحة لمثل ذاك النوع من التغيير فيها.
    
    ليس من شك عندي أن مجرد فكرة وصول إسلاميين إلى حكم أكبر دولة عربية، لم تكن لتخطر على بال أي جهة عربية أو غربية وشرقية. بل إن قيام ثورة في مصر تحديداً لم يكن أكثر المتفائلين ليحلم بها بسبب القبضة الأمنية للنظام السابق، وطبيعة الحياة في مصر وشعبها التي لم تكن توحي أبداً بإمكانية قيام ثورة على النظام للمطالبة بإسقاطه، بل إن غاية المنى عند أعتى المعارضين للنظام أن يكف شره ويفتح بعض القنوات ليتنفس الناس بعض هواء الحرية، في التعبير والعمل.. أما وقد قامت ثورة وأسقطت نظاماً بوليسياً قاسياً بصورة لم يتوقعها أحد، وسقطت معه مشاريع وأحلام كثيرين في الغرب والشرق، فهذا أمر لابد من ضبط إيقاعاته قبل فوات الأوان..

   تسارعت الأحداث بصورة لم تترك مجالاً للمراقبين من الخارج فهم ما يجري لضبط الإيقاعات، فتُركت مصر لشأنها لتختار رئيسها وحكومتها القادمة بعد ثلاثين عاماً من ديكتاتورية واضحة لا شك فيها.. وتنافس فلول ورموز أخرى وإسلاميون في أول انتخابات رئاسية حرة نزيهة.. خرج منها رموز في التصفيات الأولية لأسباب متنوعة وبقي آخرون، وسارت العملية الانتخابية بسلاسة حتى تفاجأ العالم بهزيمة بارزين ووصول مغمورين، الأول أكثر بروزاً من الآخر، شفيق ومرسي.

 ظهرت في الجولة الثانية، مشاعر متضاربة، واحتار قسم من المصريين الكارهين لكل ما يمت إلى الفلول أو النظام السابق بصلة، بين مرشح “مباركي” أو محسوب على مبارك ونظامه، ومرشح إخواني من جماعة الإخوان المسلمين. واحتار كذلك القسم الآخر من المصريين ذوي الانتماء الاسلامي أيضاً، والمختلف مع جماعة الإخوان والكاره أيضاً للنظام السابق. وتنافس شفيق ومرسي، فاز الأخير في نهاية السباق، وفرح من فرح، وذهل من ذٌهل.. لكن هكذا الصناديق تتحدث.. فهل رضي الخاسرون والكارهون لكل ما هو إسلامي بالنتيجة؟

   أكاد أزعم أن من خسر الانتخابات وذهل من النتائج لم يقبل بها ولا بالأمر الواقع، وقرر أن يتكاتف مع المجلس العسكري بصورة وأخرى لأجل ألا تسير البلاد بصورة مريحة، فكانت صولات وجولات العسكر مع الرئيس الجديد حتى جاء مرسي وأذهل الجميع بقرارات أخرجت العسكر من الحياة السياسية.. فهل اتعظ الخاسرون من مرشحي الرئاسة؟

   بالطبع لا، إذ بدأت جولات أخرى، بعد تصميم خفي يشعر به كل متابع للأحداث، أن المسألة صارت معركة أو صراعا للبقاء، إما نحن أو مرسي وجماعته.. وتتوالى الأحداث والتحرشات والإحراجات بين الفينة والفينة، ودخل على خط الصراع بقايا النظام السابق المنتشرين والمتجذرين في وسائل الإعلام وفي السلطة القضائية، وتحديداً المحكمة الدستورية، التي بدأت تفكك مؤسسات أنجـزها أو أنتجها النظام الجديد، فبدأت بالبرلمان، ثم اللجنة التأسيسية للدستور، انتظاراً لبتِّ الأمر في الشورى واللجنة التأسيسية الجديدة لوضع الدستور..

   لم يكن أمام الرئيس بعد ذلك من خيار سوى أن أصدر الاعلان الدستوري، جاءت بنوده لحماية عملية صناعة الدستور، ومجلس الشورى، وحماية لمؤسسة الرئاسة من أن تصل إليها أيادي الدستورية فتُحدث مفاجآت كبيرة، ليس من شك في أنها كانت تتربص للوصول إلى منصب الرئاسة بصورة وأخرى لإزاحة أول رئيس منتخب في البلاد منذ عهد فرعون موسى! فكانت قراراته تلك بمثابة الصاعق الذي فجّر مشروع المناوئين له والمتمثل في عدم تمكين الإسلاميين من حكم البلاد بأي صورة ممكنة.

   يتزعم المشروع ثلاثة من مرشحي الرئاسة الخاسرين، يبذلون كل جهد لأجل إحراج الرئيس وإظهاره بمظهر الرئيس غير المستقر والمتردد، وإحداث ضغوطات كبيرة عليه لتجميد قراراته، ووصلت الأمور إلى أكثر من ذلك بكثير، حيث صارت المطالبة الآن ليس بتجميد القرارات ولا تأجيل الاستفتاء على الدستور أو تعديله، بل برحيل أول رئيس منتخب وإسقاط النظام!!

   من خلال استعراض الأحداث السابقة، يتضح أن الغاية من كل ما يحدث الآن هو عدم تمكين الفكر الإسلامي أن يسود ويحكم، فإن سقوطه في مصر سيؤثر بالضرورة على بقية دول الربيع العربي، حيث ستنتعش فلول الأنظمة في تلك الدول عبر الاقتداء بما حصل في مصر، وليبدأوا هم كذلك بنفس السيناريو المصري، ليسقط الإسلاميون في تونس ويخف تأثيرهم في ليبيا والمغرب، ولا يكون هناك أمل لهم في سوريا أو هكذا الصورة تبدو.. ولا شك في أن هذا التوجه مقبول من أنظمة عربية عديدة وغربية كذلك، ساءهم ما يحدث في بلدان الربيع العربي، لاسيما مصر..

    إن السيناريو الأسوأ لمصر هو رحيل مرسي ومن معه بصورة وأخرى، فإن المتفائلين بأن هذا الحل سيؤدي إلى استقرار مصر، إنما هم حالمون، لأن المسألة ستنعكس مرة أخرى، ويبدأ الصراع والشد والجذب وعدم الاستقرار الذي سيقوم به دون شك الإسلاميون، الذين سيشعرون أنهم في معركة أو صراع بقاء، وإخراجهم من الحكم بصورة غير شرعية سيدفعهم إلى العودة مرة أخرى، ولكن هذه المرة لن يكون مهماً طريقة الوصول بقدر ما الوصول نفسه للحكم مرة أخرى.
  
    إن الوجود على الأرض للإسلاميين ليس بالأمر الهين الذي ينظر إليه الراغبون في إسقاط مرسي والجلوس مكانه، فالأمر أكثر تعقيداً، وما لم يتنبه المصريون جميعاً إلى مصلحة مصر العليا، والمتمثلة في الاستقرار وعدم انقسام الناس إلى فسطاطين متناحرين، والقبول بنتائج الصناديق واحترام ما طالبوا به من حكم ديمقراطي، فإن مصر مهددة بعدم استقرار إلى حين من الدهر ليس بالقصير، وهذا غاية المتربصين بها والراغبين في أن تكون أنموذجاً لما تؤول إليه الأمور عند قيام ثورة على نظام..

   بحكم المنطق والواقع، فإن الأفضل لمصر والمصريين تهدئة الأجواء ودراسة مسودة مشروع الدستور، والإدلاء بأصواتهم يوم الاستفتاء، فإن غلبت الفئة الرافضة، تحقق لها مرادها وهو عدم تمرير دستور لا يثقون بمن شارك في وضعه، وسيتم تأسيس لجنة أخرى للتنقيح والتعديل، وإن فازت الفئة الأخرى، فالأمر لا ينتهي هاهنا، بل إن المطالبة بتعديل الدستور أمر قانوني معروف، له إجراءاته وآلياته القانونية عبر البرلمان القادم، الذي سيكون هو العمود الفقري لمصر والمحرك الأساسي للدولة المصرية.

   إن كان الهدف من كل هذه الضجة هو الرئيس، فإن صلاحياته حسب الدستور أقل مما كان عليه أي رئيس سابق لمصر، ثم إن مدته في الحكم هي أربعة أعوام، تمضي كالبرق، والوقت مع ذلك يتسع لتجهيز وتهيئة مرشحين جدد بالمواصفات والمقاييس التي تريدها القوى المعارضة، ينافسون الرئيس في الانتخابات الرئاسية عام 2016.. وإن تنظيم الأمور وكسب مؤيدين جدد في الصفوف، سيخدم المعارضة لتحقيق مرادها بشكل قانوني لن يجد أحد ما يعترض عليه، ولتمضي مصر في حياة استقرار تفيد وتستفيد، ويحكمها الأكثر تنظيماً ورغبة في مصلحة البلاد وفق قواعد قانونية متفق عليها، وتكون أنموذجاً مرة أخرى للبناء والحكم الديمقراطي، تقتدي بها بقية دول الوطن العربي الكبير.. فهل سيفعلها المصريون؟

ليست هناك تعليقات: