أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الجمعة، 7 يناير 2011

خواطر باريسية - الحلقة الثانية


   الطعام الفرنسي له أسلوبه ونكهته وذوقه، مثلما هو كذلك في الشراب المفضل عند كثيرين في العالم، وليس فرنسا فحسب، وهو القهوة أو تحديداً قهوة الاسبرسو المركزة. وأي زائر إلى فرنسا وتحديداً مدينه باريس، سيلاحظ أن حضور المطاعم أو المقاهي بالنسبة للفرنسيين له مفهوم قد يختلف عن كثيرين. 



   حضور المطعم عند الفرنسيين ليس لإشباع جوع أو تعبئة معدة، بقدر ما هو رغبة في الاستمتاع بالوقت، ولعل هذا يفسر سبب ازدحام المطاعم هناك في غالب الأوقات.. إنهم يستمتعون بهذا النشاط عبر تذوق التفنن الحاصل في المطابخ الفرنسية، والاستمتاع بروائح قهوة (الاسبرسو) المنعشة المصاحبة للأحاديث التي تأخذ وقتها بالكامل بين الأصحاب والأصدقاء.



   الخروج للمطاعم يعني تغييرا لروتين الحياة اليومية هناك لاسيما في باريس. 

ما يميز هذه المدينة هو مطاعمها الكثيرة ومقاهيها الأكثر انتشاراً. وإن سنحت لك فرصة ذات يوم لتزور باريس، فلا بد لك من الجلوس على مقاهيها وارتشاف (الاسبرسو) حتى لو لم تكن من محبي القهوة أو هذه النوعية تحديداً.


   إن ذلك يعني تجربة رائعة للاستمتاع بمشروب مميز في مقهى ما على جادة (شانزليزيه)، وآلاف من البشر يمرون يومياً على أرصفتها، لا تدري من أين يأتون وإلى أين يذهبون! 



   أي زائر لفرنسا لاسيما باريس يلاحظ ندرة الثقافة الأميركية في الشارع الفرنسي نفسه، فالمقاهي الأميركية المشهورة مثلا لا تجد لها ذاك البروز، بل للمقاهي الفرنسية. 


   قهوة (الاسبرسو) استطاعت هزيمة قهوة (الأميركانو)، واللغة الفرنسية تفرض نفسها في التلفزيونات، فلا تجد الأفلام الأميركية إلا وقد تم دبلجة اللغة الإنجليزية إلى الفرنسية.. لماذا يحدث هذا؟ 


   يحدث هذا لوعي الفرنسيين أن التمسك بالثقافة أمر حضاري يوجب الاحترام والتقدير من الغير. اللغة هي أساس الثقافة دون جهل أو تجاهل لأمور أخرى كالمأكل والمشرب والذوق العام. وهذه أمور مهمة للمحافظة على الشخصية والهوية في ظل انفتاح العالم بين كافة اتجاهاته.



   إن إصرار الفرنسي على تناول قهوة (الاسبرسو) على سبيل المثال بدلا عن (الأميركانو) ليس لأجل النكهة بقدر ما هي رغبة في المحافظة على الهوية حتى لو لا يدركها شارب (الاسبرسو) .
إنه أمر يبدو أنه غير ذي معنى أو أمر ساذج، لكنه في الحقيقة هو المحافظ على الشخصية والهوية، وهذا ما تحتاجه الأمم والشعوب العربية الإسلامية.

ليست هناك تعليقات: