أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الخميس، 27 أبريل 2017

الرحلة الكونية العجيبة ..

  
   لم تكن ولن تكون هناك أعظم ولا أغرب من رحلة قام بها إنسان من لدن أبينا آدم إلى يوم القيامة، مثل رحلة الإسراء والمعراج التي قام بها خير الخلق والبشر محمد، صلى الله عليه وسلم، بمعية خير الملائكة وسيدهم، جبريل عليه السلام، من مكة إلى الأقصى ليلاً، ومن ثم العروج معاً إلى السماوات العلا وما فوقها، مستخدمين دابة تسمى البراق، لا نعرف طبيعتها، سوى أنها تضع قدمها حيث منتهى نظرها أو رؤيتها!
  
  هي رحلة غير عادية، لتكريم إنسان غير عادي، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام. رحلة تكريمية في وقت ضاقت الدنيا على النبي الكريم بما رحُبت. حيث الأذى المستمر والتضييق الشديد عليه وعلى أهله وعشيرته من جانب عقول متحجرة وقلوب غليظة قاسية.. قلوب أبي جهل وأمية مع عتبة وعقبة، يشد أزرهم أقرب المقربين للنبي الكريم، أبو لهب وزوجته حمالة الحطب.

  في ظروف قاسية كتلك، يأتي التكريم والدعم السماوي عبر أمر خارق لكل قوانين الكون ونواميسه. يبدأ التكريم والدعم برحلة أرضية غاية في السرعة، من مكة إلى فلسطين، ليهبط في المسجد الأقصى – حرره الله من دنس الصهاينة – ليجد بقدرة إلهية وقد تجمع الأنبياء والمرسلون ينتظرونه صلى الله عليه وسلم، ليصلي بهم. حتى إذا ما انتهت الصلاة، استمر النبي الكريم مع صاحبه جبريل في رحلة التكريم، لكنها سماوية والعروج إلى السماوات السبع وسدرة المنتهى ثم البيت المعمور، وصولاً إلى نقطة نهائية غير مسموح لأي مخلوق تجاوزها، أو مقام معلوم يقف عنده كل مخلوق، حتى وإن كان هذا المخلوق عظيم الملائكة وسيدهم، جبريل عليه السلام.. لينطلق محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، وحيداً للتشريف بلقاء الله عز وجل، وما دار بينهما من أحاديث وتفاصيل، يمكن الرجوع إليها لمن أحب الاستزادة، في كتب الأحاديث والتفاسير المختلفة.

  
  الرحلة الكونية العجيبة هذه، معجزة لا يمكن للعقل البشري أن يستوعبها بتفاصيلها الدقيقة، أو الخوض فيها كثيراً أو اخضاعها لمحددات العقل البشري، التي من شأنها الدفع إلى الإنكار والشك والتكذيب، والدخول في متاهات الكفر والعياذ بالله.  
  
  إن التقدم العلمي اليوم، لابد أنه سيكون عاملاً مساعـداً على قبول وتصديق مثل هذه المعجزة. ذلك أن إنكار السفر عبر الفضاء لإنسان، وبالسرعة التي كانت عليها رحلة الإسراء والمعراج، لم يكن بالأمر السهل أن يتجاوزه عقل البدوي في وقتها، لكن اليوم الأمر يختلف، باعتبار أن الإنسان بعلمه المحدود جداً مقارنة بعلم الله المطلق، استطاع مثلاً أن يخترع مركبة فضائية في طريقها الآن إلى كوكب زحل، وتصل سرعتها إلى 265 ألف كيلومتر بالساعة. فإذا استطاع الإنسان اختراع آلة بهذه السرعة الرهيبة، فكيف لا يتم تصديق سرعة البراق، الذي امتطاه النبي الكريم وصاحبه جبريل عليه السلام في رحلة الإسراء والمعراج، وقطع المسافات الشاسعة في زمن قليل؟    
 
د. أحمد زويل
 الرحلة كما أسلفنا، معجزة أراد الله بها دعم نبيه أمام المكذبين المنكرين من قومه. أعطاه الله وأكرمه بمعجزة قطع المسافات الهائلة في زمن لا يمكن استيعابه بالعقل البشري في ذاك الوقت، وإن كان عدم الاستيعاب مستمر إلى اليوم عند البعض، على الرغم من قدرة الإنسان في الوصول إلى اختراعات هائلة في مجال السرعات وقياس المسافات، مثل الاختراع الذي وصل إليه الفيزيائي المسلم الراحل أحمد زويل وفريق من علماء أمريكان، المسمى (فيمتو ثانية) وهو نظام قادر على التصوير بسرعة عالية جداً، وبه يمكن رؤية حركة الذرات في المواد..  


د.صبري دمرداش
 الإسراء والمعراج إذن، حدث كوني وقع في ( اللازمن ) كما يقول العالم الرباني الراحل صبري دمرداش.. وقع الحدث بقدرة الله المطلقة، حيث تتعطل وفق المشيئة الإلهية كل القوانين والأبعاد الكونية المعروفة، فلا زمن ولا مسافات. رأى خلالها النبي من آيات ربه الكبرى.. وبعبارة أخرى، سافر الحبيب إلى المستقبل ورأى الجنة والنار والكثير الكثير من المشاهد، ثم عاد إلى بيته في مكة ولا يزال فراشه دافئاً كما تقول أم هانئ بنت عم الرسول صلى الله عليه وسلم، التي كان الحبيب قد نام ببيتها ليلة الإسراء.. فأي قوة هذه تأخذ بإنسان من مكة الى فلسطين ثم العروج به للسموات وما بعدها والعودة به إلى بيته، ويبقى الفراش دافئاً لم يبرد؟ لا شك أنها قوة مطلقة، كما يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله.. فإن قطع المسافات يأخذ من الزمن على قدر عكس القوة المتمثلة في السرعة، أي أن الزمن يتناسب تناسباً عكسياً مع القوة. فلو أردنا مثلاً الذهاب إلى المدينة المنورة، سيختلف الزمن لو سرنا على الأقدام عنه إذا ركبنا سيارة أو طائرة. فكلّما زادت القوة قلّ الزمن، فما بالك لو نُسب الفعلُ والسرعةُ إلى الله تعالى؟ فإذا كان الفعل من الله فلا زمنَ، أي إنها رحلة خلت من الزمن، لأنك حين تنسب الفعل إلى فاعله يجب أن تعطيه من الزمن على قدر قوة الفاعل.


   المساحة لا تتسع لكثير شروحات وتفصيلات في هذا الحدث الكوني العجيب، الذي كلما قرأ أحدنا فيه وبحث وتأمل، ازداد إيماناً وخشوعاً، خاصة أننا نعيش عصر الفضاء والفيزياء وعصر السرعات الهائلة، على عكس أيام النبي الكريم وصحبه، وعلى رأس الصحابة جميعاً أبوبكر، الذي آمن وصدّق بالحدث دون أي نقاش أو شك، ولم يكن عنده يومذاك ما عندنا من علوم الفيزياء والفلك وغيرها..
  
  إن الإسراء والمعراج، حدثٌ نتذكره كل عام، لا لنختلف في تفصيلاته، بقدر ما هو مناسبة طيبة، وفرصة لتعميق الإيمان وزيادة الحب لهذا النبي الكريم العظيم، عليه وعلى آله وصحبه أفضل السلام وأزكى التسليم.

          

الخميس، 20 أبريل 2017

سورة النفوس البشرية

  سورة يوسف، من السور القرآنية التي جاءت تحكي قصة كاملة من البداية للنهاية، على عكس سور قرآنية أخرى كثيرة. فترى سورة تتحدث عن مشهد من قصة نبي، ثم تأتي سورة أخرى لتجد مشهداً جديداً لذاك النبي، وسورة ثالثة ومع مشهد ثالث وهكذا، إلا سورة يوسف، التي يمكن أن نطلق عليها هنا بسورة النفوس البشرية.   

 في هذه السورة ستجد نفوساً بشرية متنوعة، هي نفسها التي تتكرر منذ بدء التناسل البشري، وقصة ابني آدم هابيل وقابيل، وما بعدهما إلى يوم الناس هذا.. تجد النفس الطيبة والنفس الحقودة، وثالثة شريرة، ورابعة ساكنة، وأخرى قلقة، إلى آخر قائمة النفوس البشرية المختلفة.
  
  نجد النبي يعقوب عليه السلام يجسّد لك معاني الأبوة الحقة، ونفسية الأب الحنون المشفق، وما يعني فقدان الولد من بعد استشعار خلافات الأبناء وطغيان شعور الحسد بينهم، ليصل ذروته في لحظات من غيبوبة العاطفة العائلية، إلى حدوث تفكير جماعي شرير للتخلص من أخيهم الضعيف، بعد فقدان الإحســاس بتبعات هذا المخطط الشيـطاني، وأثره البالـغ العمـيق على أبيـهم الشـيخ الكبيـر  ( إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينَا مِنا وَنَحْنُ عُصبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفي ضَلَالٍ مُّبين..)  فهكذا هي النفس الحسودة وما تفعل.
   
  ثم ننتقل بعد ذلك إلى مشهد آخر لنرى نفساً قلقة ضمن نفوس حاقدة حاسدة شريرة، لم يمنعها مع كل ذلك الشر المحيط بها، أن تتحرك بأعماقها ذرات من الخير، جعلتها لا تهنأ بعض الشيء مما يًحاك ضد نفس بريئة مسالمة، فتعيش تلك النفس القلقة بالتالي توتراً كانت ثمرته إيجابية رائعة، تمثلت في فكرة تفتق الذهن عنها في أحلك وأحرج الأوقات، وكانت بمثابة منقذ نفس بريئة من موت محقق.. (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ).. تغيرت الخطة في اللحظات الأخيرة بسبب تلك النفس القلقة، فيقرر الإخوة إلقاء أخيهم الضعيف يوسف، في بئر بعيدة عوضاً عن قتله، لتدخلنا السورة بعد تلك المؤامرة في مشاهد جديدة ومع نفوس أخرى ستظهر على مسرح الأحداث تباعاً..
  

  ظهرت نفوس عدة في شخص نبي الله الكريم يوسف عليه السلام. أولاها، تلك النفس الخائفة المرعوبة.. طفل صغير يُلقى في بئر بعيدة عن الديار، حيث وحشة الأعماق وظلمته، وموت بطيء قادم رغم وجود الماء.. ثم تستمر حالة الخوف معه بعد أن ظن الفرج قد جاءه عبر قافلة سيارة توقفت من أجل الماء، وانتشاله من جوف البئر، ليواجه نفوساً طامعة رأته مالاً وذهبا، فكان مصيره الدخول إلى عالم الرق، وإن كان عالماً مختلفاً. فقد بدأ حياة الرق في بيت عز وسلطان، بيت عزيز مصر أو رئيس وزراء الملك يومها، حيث عاش في بيئة فاخرة مرفهة ولكن بنفسية المغترب، التي تتطلب الكثير من الحذر والأدب والأخلاق، لاسيما أنه بدأ يخدم في القصر، حيث الأجواء المخملية التي تكون غالبة على القصور بشكل عام.
   
  يشب يوسف عليه السلام فيزداد نضارة شبابية أضافت إلى جماله الأصلي، جاذبية تأخذ بالألباب، لاسيما ألباب وقلوب قوارير القصر وزائراتها، وكانت أبرزهن حينذاك، صاحبة النفس المرفهة، التي لا يُرد لها طلباً، زوجة العزيز نفسه.. حيث تسببت، بفعل قوة وفوران الغريزة البشرية عندها في وقت ما ولظروف معينة بالقصر ربما، إلى دفع نبي الله يوسف للانتقال من نفسية المغترب المؤدب الخلوق، ليعيش نفسية المتوتر الحائر، فعاش في تدافع داخلي عجيب بين أمرين لا ثالث لهما..
الأول مع سيدته الجميلة ذات الجاذبية الأنثوية التي لا يُرفض لها طلباً، تأمره بأمر لا يقدر هو أن ينفذه، باعتبار تربيته الدينية وبيت النبوة الذي ينتمي إليه، ورغم قوة وعنفوان الشباب التي كان قد وصل إليها والجو المهيأ في القصر.. وباعتبار أنه ليس من الوفاء قبل أن يكون من الورع والدين، أن يسيء إلى جميل سيده العزيز، الذي أكرم مثواه.. والأمر الثاني أن يتعرض لمشكلات لا يدري كنهها بعد، وهي واقعة لا محالة، سواء نفذ أمر سيدته أم لم ينفذ.
  
  عاش نفسية المحتار المعذَّب حيناً من الدهر قصير، وإن كان طويلاً وقاسياً بالنسبة ليوسف، الذي لا أشك لحظة أنه استحضر وشعر مرارة ما قام به إخوته، الذين هم السبب الأول في محنته التي يواجهها الآن. تلك المحنة التي ازدادت وصارت واقعاً أكثر مرارة، بعد أن انتهى مشهد زوجة العزيز والنسوة وانكشاف أمرها أمام زوجها، حيث دخل السجن، ليعيش حياة أخرى لا شك أنها ستكون قاسية.. حيث عاش سنوات عجاف ما بين نفسية المظلوم المقهور، ونفسية الصابر المحتسب إلى أن جاءت قصة رؤية الملك التي قام بتأويلها يوسف، وحدث ما حدث بعد ذلك من تبرأته واعتراف زوجة العزيز بالمكيدة، ليبدأ حياة جديدة، ليست الحرية أبرز مظاهرها فحسب، بل القوة والسلطان. حيث عاش بنفسية من يملك الصلاحيات والإرادات والقوى، ومن يأمر فيُطاع، بعد أن استخلصه الملك لنفسه وجعله الوزير الأول في المملكة.
  
   ثم مر النبي يوسف بعدها بمشاهد أخرى مع إخوته، وهم بؤساء جاءوا يطلبون معونته، وهم له منكرون لا يعرفونه.. ولا أستبعد هنا أيضاً من النبي يوسف، وهو يستعرض مشاهده المختلفة السابقة مع إخوته، أن تكون مشاعر ونفسيات مختلطة قد جالت بنفسه، ما بين نفسية الغاضب الراغب في الانتقام منهم، ونفسية المشفق عليهم في الوقت ذاته، فهم في نهاية الأمر إخوته، الذين نزغ الشيطان بينهم وأفسد علاقاتهم الأخوية، فكانت الكلمة أخيراً للنفسية التي تربت على الإيمان بالله، واعتبار ما وقع ليس سوى ابتلاءات، وأحسن الأداء فيها بفضل الله ورعايته، فآتاه الله جزاء ذاك الصبر، المُلك والسلطان وعلمه تأويل الأحاديث، ثم توفاه مسلماً وألحقه بالصالحين.. عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام.       

الخميس، 6 أبريل 2017

كيف يكون الماءُ شفاءً للناس ؟

  الماء هو المكون الأساسي لكل شيء حي، وعنصر لازم وفعال فيما يحدث من تفاعلات داخل الجسم. فهو إما وسط ناقل أو عامل مساعد أو داخل في هذا التفاعل أو ناتج عنه. أي إن له صلة بالعمليات الحيوية بصورة أو أخرى، ما يفيد أهمية هذا العنصر في الأجسام الحية. لكن أغلبنا اليوم صار يشرب مياهاً ميتة ! وقد تتساءل وتقول كيف؟

   يقول علماء الأحياء بأن الماء الذي ينساب من على الجبال مثلاً، مروراً بأودية وسهول ومنحنيات كثيرة ودون ضغوط خارجية أو مواد كيماوية مختلطة به، فإن أثره على الجسم أكثر فاعلية من تلك المياه التي نشربها بالبيوت، التي تسير في رحلة عنيفة من مصادرها الأساسية إلى المصافي، حيث الترشيح والتنظيف والكيماويات، ثم دفعه وضغطه في أنابيب متنوعة الأحجام في رحلة أخرى طويلة لمئات أو آلاف الكيلومترات حتى تصل البيوت.. لا شك أن هذا الماء يصل وقد بلغ حد الإنهاك، إن صح التعبير، وفقد طاقته طوال تلك الرحلة الطويلة، وبالتالي أصبح ميتاً تقريباً قبيل دخوله أجسامنا !
   إضافة إلى ما يتعرض له الماء في رحلته العنيفة الطويلة والذكريات المؤلمة خلالها، يصلنا هذا الماء ليستقر في خزانات وأنابيب داخل البيوت، ليدخل بيئة جديدة ويتأثر بمشاعـر البشر المختلطة، لاسيما السلبية منها، فيتلوث أكثر من ناحية تركيبته، عبر امتصاصه لمشاعر مختلطة من الأحقاد والكراهية والضجيج من حوله والصادرة عن البشر الموجودين بالبيوت، حتى إذا جاء أحدهم يشرب كأساً من هذا الماء، وجدته يشرب ماءً ميتاً لا طاقة فيه.. فقد يروي لكنه لا يؤثر إيجاباً على خلايا الجسم..
 فماذا يعني كل هذا الكلام ؟
   هناك فرضية علمية ما زالت قيد الأبحاث والدراسات بالمختبرات، خلاصتها أن للماء ذاكرة، تُخزن كل المعلومات التي تجري حوله، والصادرة عن الأصوات والموجات المغناطيسية، أو الحرارة والبرودة، أو الأضواء والاشعاعات أو غيرها من مؤثرات.. وقد كان المعتقد عند العلماء وإلى وقت قريب أن التركيب الكيميائي للماء، هو المهم في حصول ووقوع التأثير، لكن ثبت بالتجارب أن التشكيل الهندسي لجزيئات الماء هو الأهم، بل هو السر في موضوع الذاكرة وتأثير الماء. وقد تبين من خلال التجارب المعملية أن التشكيل الهندسي لجزيئات الماء يتغير مع كل صوت أو ضوء أو تفاعل مغناطيسي؛ وأن أي تشكيل هندسي يحصل نتيجة مؤثر خارجي، إنما هو بمثابة إنشاء خلية معلوماتية تُخزن فيها كل المعلومات الناتجة عن الحاصل حول الماء، وأن تلك المعلومات أو التشكيلات الهندسية أشبه بالأبجدية في أي لغة.. مجموعة حروف متناثرة لن تفهمها ما لم تنتظم في كلمات وجمل مفيدة، وهكذا مع الماء. بمعنى آخر، وحتى يحدث تأثير الماء في خلايا الجسم، لا بد من مؤثرات خارجية تدفع جزيئات الماء إلى تشكيلات هندسية مفهومة للخلايا الحية، التي تبدأ بدورها تعيد برمجة ذاكرتها وفق المعلومات الجديدة القادمة إليها عبر الوسيط هنا وهو الماء.

  إن الدماغ البشري أغلبه ماء، كما بقية أجهزة وأعضاء الجسم. وأي ماء يدخل إلى تلك الأجهزة يتم امتصاصه من قبلها. وما يحدث بحسب تلك الفرضية، إنما هو عملية امتصاص للمعلومات المخزنة في ذاكرة الماء، وعلى ضوء تلك المعلومات تتأثر خلايا الجسم وتتغير خصائصها، إما إيجاباً أو سلباً.
  وإن أردنا فهم هذه الفرضية العلمية التي هي أقرب ما تكون إلى حقيقة علمية على ضوء ثقافتنا الإسلامية، فالأمر واضح جلي. حيث وردت آيات وأحاديث كثيرة حول الماء ومنافعه في مسائل الاستشفاء والتداوي والعلاج بالقرآن الكريم، وتدعو إلى استخدام الماء كوسيط لذلك، انطلاقا من قوله تعالى" ونُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ". فقد كان الأولون منا يستخدمون الماء في الاستشفاء بالقرآن، عبر قراءة آيات محددة على الماء، لاسيما ماء زمزم المبارك، ومن ثم شربه والاغتسال منه، مع إيمان ويقين تام لا يتزعزع، أن الشفاء بيد الله، وإنما التداوي بالماء والقرآن وسيلة وسبب لتحقق الشفاء المرجو من عنده سبحانه.

  يقول ابن قيم الجوزية: " ولقد مر بي وقت بمكة، سقمتُ فيه وفقدت الطبيب والدواء، فكنت أتعالج بها - أي الفاتحة - آخذ شربة من ماء زمزم، وأقرؤها عليها مراراً، ثم أشربه، فوجدت بذلك البرء التام، ثم صرتُ أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع، فأنتفع بها غاية الانتفاع". ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أما كون القرآن يُكتب في إناء ويُصب عليه الماء ثم يروج ويشربه الإنسان، فهذا فعله السلف رحمهم الله، يكتبون في إناء للزعفران آية الكرسي، المعوذات وشيئاً من القرآن ثم يُصب عليه الماء، ويروج هكذا باليد أو بتحريك الإناء، ثم يشربه الإنسان فهذا فعله السلف، وهو مُجرب عند الناس، ونافع بإذن الله".

  على ضوء ما سبق، وبناء على فرضية أن للماء ذاكرة، وقدرتها على التخزين وتأثير المعلومات المخزنة على الوسط الذي يدخل إليه الماء، يمكننا فهم وتفسير مسألة التداوي بالقرآن، واستخدام الماء كوسيط جيد لحمل ما في الآيات القرآنية من " الشفرات " أو المعلومات العلاجية إلى خلايا الجسم المتأثرة بمرض أو علة ما، فيحدث في تلك الخلايا نوع من إعادة برمجة ومعالجة لمعلومات سقيمة قديمة، بأخرى داخلة جديدة؛ تماماً كما نقوم بتحديث أجهزتنا الإلكترونية بين الحين والحين، كيلا يكون الجهاز متأخراً وربما لن يعمل بكفاءة بعد وقت قصير..
  من هنا، وحين جاء في ديننا ما يفيد ويؤيد مسألة قراءة آيات من القرآن على الماء بنية الاستشفاء والتداوي بإذن الله، فإنما هذه هي قصتها، من قبل أن يدرك أحد هذه الفرضية العلمية، التي تتجه لتكون حقيقة علمية عما قريب بإذن الله، ولتؤكد أن الله ما " خلق هذا باطلاً " سبحانه، إنّه حكيم خبير.

      

الخميس، 30 مارس 2017

عالم الأرواح.. مساحة للإيمان

 منذ القدم والإنسان يتساءل ويستفسر ويبحث عن ماهية الروح التي بين جنبيه، لا يدري كنهها ولا سرها، وهل كانت قبل الجسد أم خُلقت معه، ثم ماذا بعد فناء هذا الجسد إلى غير ذلك من أسئلة كثيرة ومتنوعة، تداولها الفلاسفة قديماً وما زالوا، بل انضم إليهم مفكرون وعلماء نفس وأديان وغيرهم كثير كثير.
  
  جاء في البخاري عن عبد الله مسعود رضي الله عنه، قال: كنتُ أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث في المدينة، وهو متوكئ على عسيب (عمود من جريد النخل) فمر بقوم من اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح. فقال بعضهم: لا تسألوه. قال: فسألوه عن الروح فقالوا يا محمد، ما الروح؟ فما زال متوكئاً على العسيب، قال: فظننت أنه يوحى إليه، فقال ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) فقال بعضهم لبعض: قد قلنا لكم لا تسألوه.

  الإنسان كعادته يبحث عن المجهول والخفي، ولأن الروح من الأشياء المجهولة والتي ما زالت كذلك، تجد المرء منا لا يتوقف عن التساؤل والبحث عن هذا المجهول، وهو أمر، بادئ ذي بدء، جيد ومطلوب، فإن التفكر في خلق الله لا يقوم به إلا أولي الألباب، أصحاب العقول المفكرة الباحثة.
  
   في مقال الأسبوع الفائت (حياة المخ بعد الموت) تحدثنا عن أمر أدهش الأطباء والعلماء، واعتبروه كشفاً علمياً جديداً مفاده أن الشحنات الكهربائية للدماغ تشهد نشاطاً كبيراً بعد توقف كافة الأجهزة الداخلية للإنسان، أو حالة ما بعد الوفاة بدقائق معدودة. وفسروا بأن هذا النشاط ربما بسبب أمر خفي يحدث للإنسان حينها ويكون بالغ الأهمية والإثارة. وقالوا كذلك أن الحياة الدنيا ليست نهاية المطاف للإنسان أو لروحه، إن صح التعبير.. وقد ذكرنا بأن هذه الحقيقة يعرفها أي مسلم لم تلوثه عقائد فاسدة أو فلسفات لا معنى لها.
  
  مواصلة لحديثنا عن هذا الموضوع، نقول أن الأرواح خلقها الله قبل الأجساد بوقت لا نعلمه، كما قال بعض المفسرين في شرحهم لقوله تعالى:" وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين "، حيث أن الله جمع ذرية آدم في أول الخلق في أرواحهم وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، لكن أحداً من بني آدم لا يتذكر هذا الميثاق.

  هذا يفيد أن الأرواح كانت موجودة قبل الأجساد وتعيش بطريقة ما في حياة معينة لها قوانينها، تتعامل مع بعضها البعض بصورة وأخرى لا ندري كيفيتها.. لكن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، أخبرنا بأن الأرواح في تلك الحياة، تلاقت وتعارفت مع بعضها البعض، فإما إنه كان يحدث التآلف أو التناكر، كما في الحديث الصحيح ( الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف ). ومن الحديث يتبين أن عمليات التآلف والاختلاف بين الأرواح حدثت في حياة قبل حياتنا الدنيا الحالية، ودليل هذا ما يحدث بين أحدنا وآخر في حياتنا الدنيا، حين يتقابلان للمرة الأولى، فيشعران بالتآلف من قبل أن يحدث أي نوع من الحديث، بل ربما أحياناً قبل أن يلتقيا. وقد يحدث العكس فيقع التناكر وعدم التآلف حتى قبل التلاقي والتحادث.


   إن عمليات تلاقي الأرواح مازالت مستمرة في حياتنا الدنيا، لكن في وقت المنام، حيث يحدث تلاقي الأرواح، سواء أرواح الذين توفاهم الله أو من لا يزالون على قيد الحياة، في عملية نسميها الأحلام أو الرؤى. حيث يحدث تواصل وتعامل بصورة وأخرى وبشكل مختصر جداً، تكون واضحة حيناً ومشوشة حيناً آخر، ثم في لحظة معينة ينتهي التواصل واللقاء، فتعود الأرواح إلى مواقعها. فأما التي لا تزال في عالم الحياة الدنيا، فإنها تعود إلى أجساد أصحابها. وأما التي توفاها الله، فإنها تبقى في عالم البرزخ إلى ما شاء الله أن يكون..
  
  في هذا يقول الله عز وجل ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون). وقد ذكر الطبري في تفسيره أن الله يقبض الأنفس حين موتها وانقضاء مدة حياتها، ويتوفى أيضاً التي لم تمت في منامها. وذكر أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام، فيتعارف ما شاء الله منها، فإذا أراد جميعها الرجوع إلى أجسادها أمسك الله أرواح الأموات عنده وحبسها، وأرسل أرواح الأحياء حتى ترجع إلى أجسادها إلى أجل مسمى وذلك إلى انقضاء مدة حياتها.

  إن عالم الأرواح مساحة متاحة لتعميق الإيمان بالله الواحد القهار، القادر على كل شيء. مساحة رائعة للتأمل وتعميق الإيمان وترسيخه بالنفس. إنه عالم من الأسرار وفي الوقت ذاته، عالم باعث على الطمأنينة، وأن من فقدناهم من الأحباب إنما فقدنا أجسادهم فقط، فيما أرواحهم لا تزال حية بصورة ما في حياة أخرى لها قوانينها وسننها، ولا نعلم عنها كثيراً، هي ما نسميها بالحياة البرزخية. حيث لا يمكن التواصل مع أرواح تلك الحياة، إلا إذا شاء الله أن يكون، وذلك عبر التلاقي في المنام.. سائلين الله عز وجل الله في الختام، أن يجمع في المنامات أرواحنا بأرواح الصالحين والصديقين والشهداء والأحباب والأصدقاء، ومن ثَمّ كرّة أخرى يوم القيامة، في زمرة خير الخلق محمد، عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأزكى السلام.

الخميس، 23 مارس 2017

حياة المخ بعـد الموت !

   قبل فترة قليلة، يكتشف فجأة عدد من الأطباء الكنديين أثناء وجودهم مع مريض فارق الحياة بغرفة العناية المركزة، أن النشاط العصبي للدماغ لم يهدأ لمدة عشر دقائق، رغم توقف كافة الأعضاء الداخلية للميت وأهمها القلب بالطبع، ووصفوا الحالة بأنها غير عادية وغير مفسرة من ذي قبل، الأمر الذي دعا مجموعة من الباحثين في جامعة ويسترن أونتاريو الكندية لدراسة النبضات الكهربائية في دماغ شخص متوفى، وعلاقتها بضربات قلبه بعد إزالة أجهزة التنفس عنه، حيث لاحظوا استمرار المخ في إطلاق موجات دلتا، حتى بعد أن توقف القلب وانخفض ضغط الدم الشرياني! ولقد لاحظ العلماء الذين أجروا اختبارات شبيهة على فئران تجارب، حين قاموا بقطع رأس فأر وفحص دماغه مباشرة، أن النشاط الكهربائي في دماغه استمر لمدة ثلاثين ثانية كما لو أن الفأر لازال حياً، وبالتحديد في منطقة الإبصار أو المسؤولة عن الرؤيا بالدماغ، مع ملاحظة أن هذا النشاط تضاعف إلى ثمان مرات عما كان عليه قبل موت الفأر!

  تفسيراتهم لتلك النتائج تنوعت، لكن انتهوا إلى خلاصة مفادها أن هناك شيئاً ما يحدث بالدماغ حين يكون الإنسان على حافة الموت أو ساعة الاحتضار، وهذا الشيء هو الذي يدفع الدماغ الواعي إلى مستوى عال من الإثارة والنشاط الزائد، الأمر الذي يُحتمل أن يكون ذاك النشاط غير الطبيعي، بسبب رؤى معينة أو أحاسيس محددة تصدر عن دماغ الميت ومرتبطة بواقع آخر يختلف كلياً عن واقعنا الدنيوي، أو إن صح التعبير، حياة أخرى غير الحياة الدنيا. إضافة إلى أن هذا الاكتشاف العلمي يعتبر أول دليل علمي مادي على وجود حياة ثانية للإنسان بعد الموت، وأول إضافة من نوعها بهذا المجال في تاريخ العلم الحديث.
  ربما لمن لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر من الملحدين أو المشككين في بعض الغيبيات، تكون مثل تلكم الاكتشافات مفاجئة لهم، أو قد يعتبرونها كشفاً علمياً مذهلاً، ولكن لو سألت عنها أي مسلم، لم تلوثه فلسفات ومعتقدات غريبة عن الإسلام، لأجابك من فوره، أن موت الإنسان لا يعني نهايته، بل الموت هو محطة انتقال الروح من حياة إلى أخرى، هي ما نعرفها بحياة البرزخ، التي لا ندري عنها ولا قوانينها المادية والمعنوية شيئاً، سوى أنها حياة تنتقل الأرواح إليها من الحياة الدنيا بعد خروجها من الأجساد الطينية، وفيها نعيم وعذاب، لكن لا ندري كيفيتها ولا كنهها، إلى أن يقضي الله أمره، وتنتهي الحياة البرزخية أيضاً والانتقال إلى الحياة الآخرة..
   بالعودة إلى الاكتشاف العلمي الأخير هذا، سنزداد علماً أشمل وبالضرورة إيماناً أعمق عما نحن عليه، فيما يختص بلحظات الموت وما بعدها. لاحظ معي قوله تعالى: وَلَوْ ترى إِذ الظَّالمونَ في غَمَرَات الموتِ والملائكةُ باسطُو أيديهِم أخرِجوا أنفُسَكُمُ.. الى آخر الآيات، ستجد أن في الآية تفسيراً واضحاً لهذا الاكتشاف العلمي حول الدماغ ونشاطه الزائد بعد الموت بلحظات.. ذلك أن الإنسان في لحظاته الأخيرة تنكشف عنه الحُجب ويرى الغيب، ومن ذلك الغيب الملائكة الكرام، سواء كانوا ملائكة رحمة أم عذاب. ويرى حينها أموراً لن يستوعبها العقل الواعي بحساباتنا الدنيوية المنطقية، ولكن القلب العامر بالإيمان، وبكل تأكيد، لن يجد صعوبة في أن يستوعب ويقبل وربما ينتظر مثل تلك اللحظات، كما في عقيدتنا الإسلامية.

  إن ذاك النشاط الكهربائي الزائد للدماغ الذي يحدث في منطقة الإبصار بالدماغ، ربما له علاقة بلحظات خروج الروح من الجسد، والالتقاء بالملائكة الكرام ثم العروج الى السماء السابعة والنزول مرة أخرى إلى الجسد، وبقية القصة المعروفة كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق، عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح، إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس ... الى آخر الحديث.
  خلاصة القول أن العلم الحديث يكتشف يوماً بعد يوم، دليلاً تلو آخر على صدق ما جاء به الرسول الأمي صلى الله عليه وسلم، ويثبت بالأدلة المادية ربانية هذا الدين الحق، الذي يخسر من يبتغي غيره. ويثبت كذلك العدالة الإلهية في خلقه، حين جعل الدنيا محطة يختبر فيها البشر، يتمايزون فيما بينهم لحياة أخرى حقيقية خالدة، وأن الموت لا يعني فناء ونهاية كل مخلوق، كما زعم كثيرون منذ القدم، ولايزال آخرون على المنوال نفسه يسيرون ويعتقدون، وإلى يوم الناس هذا. بل الموت محطة انتقال من حياة إلى أخرى ليس أكثر..
                          فماذا يريد منكرو الغيب والحياة الآخرة، بعد هذا الاكتشاف العلمي البشري؟