كثيرون - كما أرى -
يمكنهم العيش سنوات بلا وسائل تواصل، وليس شهراً واحداً فقط كما قام كاتب
السطور بالتجربة منذ بداية هذا الشهر إلى يوم الناس هذا. فقد وعدت كل من له صلة بي
عبر تطبيق "واتز آب"، وكذلك المتابعين الكرام في تطبيق " تويتر "،
أن أغيب شهراً كاملاً ثم أعود بداية الشهر التالي وهو سبتمبر بإذن الله، لأحدثهم -
إن كان هناك ما يستحق الحديث – عن تجربة العيش بدون وسائل التواصل الاجتماعي
المعروفة عالمياً. وها أنا اليوم أصل إلى اليوم الثلاثين من شهر أغسطس بدون أي
استخدام لتلك التطبيقات والبرامج.. وإليكم القصة بشيء من التفصيل..
فكرة الابتعاد عن وسائل التواصل جاءت من وحي حملة تقوم عليها الجمعية الملكية
البريطانية للصحة العامة منذ أشهر، للقيام بحملة التوقف عن استخدام وسائل التواصل
الاجتماعي لعدد من التطبيقات المشهورة عالمياً لشهر كامل، ابتداء من يوم بعد غد
السبت، تحت شعار (سبتمبر بلا تصفّح) في إطار حملات صحية أقيمت سابقاً في بريطانيا
للحد من التدخين وأخرى للتوقف عن شرب المسكرات. ويبدو لي أن نتائج تلك الحملات كانت
مشجعة، ما دفعتهم لحملة صحية جديدة ولكن هذه المرة للحد أو تغيير طريقة التعامل مع
وسائل التواصل الاجتماعي التي أدت، بحسب بحث استقصائي لخلاصة مفادها، أن إدمان التواصل على منصات وسائل التواصل سبب للقلق
والاكتئاب وفوضى النوم، وطالبت الحملة التي تستهدف مستخدمي تطبيقات مشهورة كما
أسلفنا مثل " فيسبوك، تويتر، انستغرام، سناب شات " بالتوقف عن استخدامها
لشهر واحد فقط، لكي يقوم كل مستخدم أثناء الشهر بتدوين ملاحظاته وكيف ستكون أوقات
يومه دون تلك البرامج، إلى غير ذلك من أهداف تسعى الحملة لتحقيقها خلال سبتمبر.
لا أخفيكم سراً إن قلت بأن الأمر لم يكن سهلاً في اليوم الأول
والثاني من مقاطعتي لتلك الوسائل، ربما بسبب مبالغتي في الأمر وصرت
ملكياً أكثر من الملك، حيث قمت بتحويل الهاتف إلى وظيفته الأساسية الأولى وهي
الاتصال فقط. إذ قمت بفصله عن الإنترنت أيضاً. ولكم أن تتخيلوا هذا الهاتف الذي
كنت أشحنه مرتين باليوم، كيف صمت وبدا لطيفاً هادئاً، بل لم أكن ألتفت إليه لساعات
طوال باليوم. فقد دخل في سبات عميق لا يقوم إلا على تنبيهات برنامج الأذان فقط، أو
صوت رسالة نصية من البنك أو بعض الإعلانات المزعجة، وفيما عدا ذلك لم يكن يعمل،
وبالتالي لا مجال لاستهلاك البطارية، التي لأول مرة منذ سنوات، استمرت مشحونة
لقرابة 52 ساعة !
من أطرف المواقف التي صادفتني وفي اليوم الأول للتوقف عن استخدام
وسائل التواصل، ما حدث بعد إنهاء معاملة لي في البنك. وما إن وصلت المنزل حتى وجدت
اتصالاً من البنك ذاته يعتذر الموظف المتصل أنهم لم يكملوا اجراءاتهم الخاصة
بمعاملتي، بسبب عدم وجود صورة لبطاقتي الشخصية، وطلب مني بكل لطف ان أرسل صورة
منها عبر " واتز آب " لسرعة إتمام المعاملة، ولم يكن أمامي إلا خيارين،
إما العودة للبنك وتسليمهم الصورة بنفسي مع ما في ذلك من عناء وتضييع للوقت وبقية
تفاصيل تعرفونها، أو إعادة الاتصال بالنت وفتح التطبيق واكمال الاجراء، ثم العودة
الى ما كنت عليه قبل دقائق. فكان من المنطقي اللجوء للخيار الثاني، فقمت بعد تلك
الخطوة بتسجيل ملاحظة أولى خلال حملة المقاطعة، سنأتي عليها لاحقاً..
وها هو كاتب السطور إلى الآن مستمر في الانقطاع عن برامج التواصل،
وفي الذهن خاطرة أكاد أرحب بها، وخلاصتها أن أستمر إلى أربعين يوماً، باعتبار ما
تعارف عند بعض الباحثين في أمر تعديل السلوكيات والعادات، أن (التطبّع يغلب الطبع)
وأن المدة اللازمة لتعديل أي سلوك أو طبع معين هي أربعين يوماً، وقد استند البعض في
ذلك إلى حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة
الأولى، كُتبت له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق". فقد اشترط العلماء في وقوع هذا التغيير للسلوك وحدوث أمر
المواظبة على الصلاة التتابع. بمعنى أن يصلي لأربعين يوماً متتابعة حتى يحدث
التغيير، لا أن يصلي أياماً ثم ينقطع فيعود وينقطع.. هذا الانقطاع لا يضمن حدوث
تغيير السلوك المرجو.
من ذلك الباب، ولأنني
صبرت ثلاثين يوماً بعيداً عن وسائل التواصل، فما الضير لو صبرت عنها عشرة أيام أخر،
وبها أتم أربعين يوماً كاملة، فقد يحدث واعتاد على السلوك المرجو، وهو التخلص من
إدمان التعامل مع الهاتف بكل ما يحتويه من برامج تواصلية، والتي أخذت من الوقت
والصحة وكذلك العلاقات الاجتماعية الحقيقية الكثير الكثير.. ويبدو وأنا أكتب هذه
الكلمات الآن، أن شعوراً قوياً يدفعني لإكمال الثلاثين بعشرة أيام أخر، وكلي رجاء
الخروج بنتائج طيبة من هذه التجربة أو المقاطعة المدروسة المقصودة لوسائل التواصل الاجتماعي..
لكن ماذا يمكن القول
بعد شهر من هذه المقاطعة؟
هذا هو محور حديثنا في المقال القادم بإذن
الله، وأرجو في الوقت ذاته أن تعذروني على الإطالة، فالموضوع متشعب وكبير والمساحة
ها هنا لا تتسع لكثير سرد، وقد رأيت من الأفضل عدم التوسع أكثر من هذا، بل تجزئة الموضوع،
رغم إدراكي بأن المطولات من المقالات والموزعة على حلقات أمر مكروه غير محبذ لدى
القراء الكرام، في عالم سريع متسارع.. ولكن من باب الضرورات التي تبيح المكروهات
أحياناً، سأضطر إلى هذا مع وعد بعدم تكراره مستقبلاً بإذن الله.. فإلى لقاء قادم
بعد أسبوع من اليوم، أكون قد قاربت على الأربعين يوماً، أسرد لكم في الجزء الثاني
من هذا المقال، بقية التفاصيل وبعض الانطباعات والخلاصات لمن أراد وأحب المتابعة
والاستزادة في هذا الموضوع.
هناك تعليق واحد:
كرا لك دكتور عبدالله على طرح مثل هذا الموضوع الذي يعتبر من المواضيع المهمه لتعلقها بأمر مهم في حياتنا وهو الوقت وآخر اكثر اهمية وهو العادات والسلوك .. قرات المقدمه التي سردتها حول تجربتك الشخصية .. ووضحت فبها الدوافع وتحديات بداية التجربة .. وسأبدأ بقراءة النتائج واهم الملاحظات والتوصيات التي وقفتم عليها .. اكرر شكري وتقديري
إرسال تعليق