
هذا الانقسام الشديد لدولة الأندلس، ساعد
المتربصين بها على الانفراد بكل دولة. وبدأ عهد الدخول في أحلاف ومعاهدات حماية
مقابل الجزية، فكنت تجد كل دولة وقد بدأت تدفع الجزية لدولة نصرانية قريبة لأجل
الحماية أو الدعم للإغارة على دولة شقيقة جارة، وهكذا تشتت مسلمو الأندلس إلا ما
رحم ربي وقليل ما هم، وكان أبرز الصامدين أمام هذا التشتت والفرقة والخنوع والذل
لممالك النصارى في تلك الفترة، المتوكل بن الأفطس حاكم دولة بطليوس، الذي رفض دفع
دينار واحد للفونسو السادس ملك قشتالة، الذي بنى مملكته ووسعها بفضل أموال الجزية
التي كان يدفعها ملوك وأمراء الطوائف في الأندلس له مقابل الحماية. وتحالف المتوكل
مع يوسف بن تاشفين أمير دولة المرابطين الشجعان، الذي وقف وقفة صارمة ضد ملك
قشتالة الانتهازي، الذي لم يتوقف عن ابتزاز أمراء الطوائف ويمنّ عليهم بمسألة
الحماية، وفي الوقت نفسه كان متربصاً بالجميع، ينتظر الزمن المناسب للقضاء على كل
ما يمت للإسلام والمسلمين بصلة في أسبانيا..

التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي بمعية
الرئيس الفرانكفوني أثناء زيارته لواشنطن، حول الدول الثرية بالشرق الأوسط ووجوب دفع
تكاليف وجود القوات الأمريكية هناك، وأنه لولا الأمريكان لسقطت دول خلال أسبوع
وغير ذلك من تصريحات ترامبية إعلامية غير منضبطة ومثيرة كالعادة، تجعل المرء يستحضر
ويتأمل صفحات من تاريخ الأندلس، وكيف أن التاريخ يعيد نفسه فعلاً.. فما الفرق بين
ملك قشتالة وترامب؟ لا شيء. كلاهما واحد. كلاهما دخلا عالم الابتزاز والاستغلال،
والظروف تشابهت بين الماضي والحاضر.
ملك قشتالة وملوك نصارى آخرون أقوياء، كانوا
يعيشون بين عشرين دولة أو إمارة مسلمة. كل واحدة منها تتودد إلى هذا أو ذاك لحاجات
في النفوس، فكان أولئك الملوك يقابلون ذاك الود والتقارب بالمال.. بمعنى أوضح:
أعطونا دراهمكم نعطيكم ودنا وحمايتنا.. وهكذا أنهكت العطايا وأموال الجزية تلك
الدول، فيما كانت تساهم تلك الأموال في اقتصاديات قشتالة وغيرها من ممالك النصارى فكانت
تقوى أكثر وأكثر.. وهذا هو عين ما يقوم به ترامب وغيره من زعماء النصارى اليوم،
مثل فرنسا وبريطانيا وغيرهما..

في هذا السياق، لا يمكن غض الطرف عن موقف مخز وكدليل
على ما تفعله الفرقة والخلافات غير المبررة بدول الخليج، أن تجد ترامب يعلن من
واشنطن ضرورة قيام دول شرق أوسطية بدفع تكاليف وجود القواعد العسكرية الأمريكية الحامية
لها، فيقوم عادل الجبير من الرياض مقام الشارح الأمين لحديث ترامب، كما لو أنه
المتحدث الرسمي للبيت الأبيض، ويطالب قطر بدفع تكاليف وجود القوات الأمريكية
بسوريا ، لأن " النظام القطري " سينهار لو قرر ترامب سحب القاعدة
العسكرية من قطر، في مخالفة واضحة لأبسط قواعد الدبلوماسية، التي أضاع الجبير
بوصلتها منذ بدء الحصار الفاجر على قطر..

فمن سيكون هذا
المتوكل ومن هو بن تاشفين؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق