لم يظهر في التاريخ من كان أشد كفراً وإجراماً من الفرعون الذي كان حاكماً لمصر في فترة نبي الله موسى عليه السلام.. الفرعون الذي ارتكب من الفظائع الكثير الكثير، واستمر على ذلك حتى ادعى الألوهية. لكنه في نهاية تلك الأحداث والمغامرات والجنون الذي أصابه، هلك في مشهد أذله الله خلاله هو وجنوده الظالمين، وصار عبرة لمن أراد أن يعتبر، وقليلٌ ما هم.
وبالمثل انتهى الحال بوزيره قارون، أغنى من كان
يعيش على الأرض في تلكم الفترة، والذي بلغ به الحد أن يقوم بما يشاء بقوة وتأثير
سلطانه المالي، لكن في لحظات قليلة خسف الله به وبداره الأرض، ليكون عبرة لكل صاحب
مال وجاه وثروة، يظن أنه قادر على أن يفعل ما يشاء وقتما يشاء بقوة ماله وجاهه
وسلطانه.
اليوم يحاول البعض محاكاة أفعال بعض مجرمي التاريخ والسير على خطاهم، دون قليل تأمل أو تدبر في نهايات أولئك. يمارسون الظلم بأنواعه، سواء مع شعوبهم أو الآخرين. وها هو العالم اليوم لا يستطيع أن يبعد أنظاره عن مجرم الحرب المطلوب للعدالة الدولية، النتن ياهو، وإلى الذي انضم إلى جنونه مؤخراً، حاكم صفيق بلا حياء ولا قيم، ويدير أكبر إمبراطورية بشرية حالياً كما لو أنه يدير شركة عقارية !
ترامب أشغل العالم كله منذ أن جاء لسدة الرئاسة، رغم أن أكثر من ثلاثين قضية مرفوعة ضده لم تحسمها المحاكم الأمريكية بعد، والتي تأجلت بسبب فساد النظام الديمقراطي الذي لا يفرق بين مختل وعاقل، أو صالح وطالح.
يأتي ترامب اليوم متبعاً أسلوب الصدمة تلو الصدمة، ليتفرق دم معارضيه بين العديد من القضايا، ليتحدث بكل صفاقة عن غزة العزة، ليغرق العالم بمزيد من تفاهاته وتصريحاته اليومية، كأنما يتحدث عن جمهورية من جمهوريات الموز التي تستمتع واشنطن بإدارتها واستغلالها وتحريك رموزها وقيادتها كما أحجار على رقعة شطرنج.
يبدو أن هذا الرئيس الذي وصفته أمه بالحمق وعدم امتلاك حس سليم أو مهارات اجتماعية، وتمنت ألا يدخل عالم السياسة لأنه سيكون كارثة فعلية، يبدو أنه لم يتعلم من التاريخ أن الاغترار بقوة المال والسلاح عند الأمم السابقة كان القشة التي قصمت ظهورهم، وأن من كثُرَ كلامُهُ كثُرَ لغطُهُ، ومن كثُرَ لغطُهُ كثُرَ غلطُهُ، ومن كثُرَ غلطُهُ قلّ ورعُهُ – وترامب لا يُعرف عنه ورع أساساً - ومن قلّ ورعُهُ قلّ دينُه، وترامب لا دين له سوى المال والمال فقط.
أمة تموت لتحيا
إن أمة صمدت أمام الحروب الصليبية المتتالية، ثم وباء المغول، وصولاً إلى وباء الاستعمار أو الاستدمار أو الغربي الحالي الذي أهلك الكثير من الحرث والنسل، هي أمة تستحق أن تكون نموذجاً للتدبر والتأمل، هذا إن كان هذا الصفيق يعي ويفهم حوادث التاريخ، قبل أن يتحدث بلغة عقارية مالية امبريالية عن شعب أصيل ينتمي لأمة عريقة ذات دين ورسالة.
دون ريب أو أدنى شك، ترامب يسير على خطى قادة
مجانين خلّد جنونهم التاريخ. لا يدري هذا الرئيس ما جرى لمسلمي بلاد الأفغان من
كوارث ومجازر على يد امبراطورية السوفييت الملحدة، لكن لم تنتج عنها نهاية الأمر
سوى تحرر الوطن وبقاء الشعب الأفغاني حراً في بلده يبنيه من جديد، فيما انسحب جيش
الظالمين مهزوماً مدحوراً أواخر 1989 لتنهار بعد ذلك الإمبراطورية بعد عامين فقط.
ويبدو كذك لا يدري أن هذا الشعب تعرض من جديد لظلم صليبي غاشم ولكن هذه المرة عبر احتلال أمريكي مجرم في 2001 وما جلبه من كوارث على الشعب الأفغاني، بقيادة مجرمين من أمثال بوش الإبن وحثالة أخرى هلكت أو بلغ بهم العمر أرذله، مثل ديك تشيني ورامسفيلد وغيرهم.. ورغم ذلك الاحتلال الذي استمر عشرين عاماً، انتهى به الحال أيضاً إلى الانسحاب مدحوراً مهزوماً صيف 2021 ، مهما حاول الإعلام الأمريكي تزيين المشهد.
اليوم يعيد شعب غزة قصة الأفغان من جديد. فما
حدث خلال عام ونصف العام الفائت من عدوان أمريكي صهيوني غربي على غزة، لم يدمر سوى
مبان وأحجار وأشجار، مع أنفس بريئة، نحسبهم شهداء عند ربهم. لكن أولئك المجرمين ما
أدركوا أن العدوان رسخ معنى الوطن في النفوس الغزاوية بشكل أعمق، وصار الارتباط
بالأرض جزءاً من العقيدة، والتفريط بها، تفريط بعقيدتهم.
غـزة ليست عقاراً
للبيع
ما
درى العدوان الصهيوأمريكي على غزة أن هناك نفوساً عظيمة أبية شامخة تأبى الذل،
وتفهم لغة وعقلية العدو، هي التي تمسك بمفاصل القطاع، لن يخدعها مخادع فاجر كذاب مثل
ترامب أو غيره من الغرب أو العرب. نفوس تربت على العزة والإيمان بأن الله مع
المتقين، ومع الصابرين، ومع الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بينان مرصوص. هؤلاء
لم ولن يفهمهم ترامب أو النتن ياهو ومن على شاكلتهم.
لن يفهم هؤلاء الصهاينة والملحدين ومن على شاكلتهم من الشرق والغرب، أن من يعيش في غزة يرجون أن يكونوا ضمن من ذكرهم النبي الكريم في حديثه :" لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم.. " فربما هذا الرجاء في نفوس المجاهدين الغزيين هو الذي دفعهم لهذا الثبات والصمود والشموخ الأسطوري أمام أعداء الله منذ أن نزل وباء الصهيونية على فلسطين، وأنهم مستمرون أيضاً على ذلك أمام ترامب وحبيبه النتن ياهو أو غيرهم من زعماء ظاهرين، وآخرين في الخفاء قد حان كشفهم !
إنّ استرداد الحقوق لا يمكن تحقيقه بمفاوضات عبثية، ومؤتمرات فارغة ووعود كاذبة. وما كان طوفان الأقصى إلا نتاج فهم عميق ووعي تام لتجارب السابقين في بلاد الأفغان مع الأعداء، ودروس متنوعة من تاريخ هذه الأمة. ولهذا يمكن القول بأن غزة ستكون بإذن الله عصية على القاصي والداني، الصليبي منهم أو الصهيوني.
ها هي غزة تنتظر دخول جنود قارون العصر، أو التاجر الجشع ترامب عليهم، لتبدأ معهم ملحمة جديدة، بعد أن خرج الآلاف من جنود النتن ياهو في الأكفان، أو بعاهات مستديمة، كي يعلم قارون العصر أن غزة ليست عقاراً للبيع، إذ قبل بيعها، عليه التعامل مع عشرات الألوف من مجاهدين يشرون أنفسهم ابتغاء مرضات الله، فذلك هو الربح الأكيد الذي لم ولن يفهمه ترامب أو أمثاله من قارونيي العصر، قطع الله دابرهم ومن والاهم وأيدهم، وحفظ الله أمة محمد من كيد الضالين والمغضوب عليهم، ووقانا من شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق