يبدو أن السيد نوري كامل محمد حسن المالكي ، 62 عاماً ، رئيس وزراء العراق بعد ابراهيم الجعفري
، لم يستفد من دروس التاريخ ، ولا
أقول القديم ، بل الجديد الذي لم تجف أحبار كتابته بعد .. ثورات مصر وتونس وليبيا
واليمن ، وعلى الجوار منه ، ثورة سوريا . كلها ثورات قامت لنفس السبب ، أو أن
الباعث على قيامها كان مشتركاً . إنه الاستبداد بكل صوره .
ما بين ليلة وضحاها ، احتشد عشرات الألوف في الأنبار منددين بقرارات تعسفية
ضد وزير المالية العراقي رافع العيساوي ، حيث تم اعتقال أفراد من طاقم الحماية
الخاصة به بتهم تتعلق بالإرهاب . ويبدو ان الجرة لا تسلم في كل مرة . إذ بعد
مطاردة نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي بتهم مشابهة ، والذي استطاع أن ينفذ
بجلده قبل حبل المشنقة ، انتبه الشعب العراقي إلى أن المالكي يسير بخطى واضحة
وثابتة نحو دولة قمعية جديدة ، يتم التخلص فيها من أي معارضة وخنق كل صوت يطالب
بالحرية والعدالة وغيرها مما كانت شعوب دول الربيع العربي تعاني منها قبل قيام
ثوراتها ، واستمرارها في تصحيح الأوضاع لحين من الزمن قد يطول أو يقصر بحسب ظروف
ومتغيرات كل دولة .
تتعاظم حركات الاحتجاج والمسيرات الشعبية التي ما زالت سلمية ضد المالكي
وحكومته ، وبدأت المطالبات باسقاطه ، في مؤشر على أن الأمر ليس كما كان في 25
فبراير من العام الفائت 2011 ، حين قامت احتجاجات شعبية تندد بممارسات حكومة
المالكي القمعية ولكن ما استمرت طويلاً لظروف مختلفة ، ربما المحيط العربي لم يكن
بعد قادراً على الالتفات إلى ما يجري بالعراق مقارنة بأحداث جسام كانت تدور في
ليبيا ومصر ، جذبت أنظار العالم وليس المحيط العربي فقط ، وهدأت تلك الانتفاضة .
استمر نوري المالكي في سياساته ولم يستفد من فرصة توقف الانتفاضة التي كادت
أن تتعاظم وتنفجر في وجهه ، ليراجع سياساته وأسلوب إدارته للعراق الذي بدا وضحاً
تأثره الشديد بالخارج ، لا سيما من الولايات المتحدة وايران .. وبدأ المالكي بتصفية خصومه السياسيين الذين
يحظون بشعبية كبيرة في العراق بوسائل متنوعة ، لأجل تهيئة الأجواء للانتخابات
البرلمانية القادمة التي يريدها وفق مقاس معين ، يخدمه البرلمان في تنفيذ سياساته
، ولا يقف أحد في وجهه ، فبدأ بالهاشمي والآن مع العيساوي وربما غيرهم ، ويلاحظ
أنهم من أهل السنة العراقيين ، الأمر الذي يوحي أنه اجراء طائفي بغيض لا يتحمله
العراق المنهوك ، منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003م ..
تتسع دائرة الاحتجاجات والتظاهرات في العراق بشكل يومي ، الأمر الذي يشير
إلى أن الربيع العراقي قد بدأ أسوة بدول الربيع العربي ، وربما الذي يشجع ذلك ،
إضافة إلى سياسات رئيس الوزراء الحالي التي تحدثنا عن بعض ملامحها ، التقدم الفعلي
على الأرض السورية للثوار السوريين ضد نظام بشار الأسد ، الأمر الذي يوحي بأن
الربيع العراقي ما لم يتم التعامل معه بحكمة وسياسة ، دون خداع وتحايل، فإنه مرشح
لأن يتحول من ربيع سلمي حتى الآن إلى ربيع مسلح لا يختلف عن الحاصل في سوريا ،
وخاصة أن البنية اللازمة لثورة مسلحة في العراق موجودة ، باعتبار أن البلد منذ
الاحتلال الأمريكي عام 2003 ، وأجواء القتال تسيطر على سمائه وإن بدت هادئة في بعض
الفترات ..
ما زال الحديث عن ربيع عراقي شبيه بربيع دول الربيع ، أمراً مبكراً بعض
الشيء ، فقد اعتاد الجمهور العربي على متابعة انتفاضات عراقية سريعة قصيرة ، فهل
ما يحدث الآن هو كذلك ، أم أن للشعب العراقي هذه المرة رأي آخر ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق