ذهب كاتب شاب إلى الروائي الفرنسي المشهور إسكندر ديماس مؤلف رواية الفرسان الثلاثة، وعرض عليه أن يتعاونا معا في كتابة إحدى القصص التاريخية.. وفي الحال أجابه ديماس في سخرية وكبرياء: كيف يمكن أن يتعاون حصان وحمار في جر عربة واحدة؟! فما كان من الشاب المتحمس إلا أن قام على الفور ورد على الكاتب قائلاً: هذه إهانة يا سيدي، كيف تسمح لنفسك أن تصفني بأنني حمار!.
لا أعتقد أن أحدنا يختلف مع الشاب، بل أجد أن أغلبنا سيتعاطف معه لا لشيء سوى انتقام من كبر وغرور الكاتب الكبير، الذي لم يحترم من يتحدث إليه، ووجد نفسه أعلى منزلة ودرجة من هذا الذي يدعوه للتعاون في عمل، وبالتالي استحق رد فعل الشاب بالطريقة والكيفية التي حدثت.
هذا يدعونا دائماً إلى توخي الحيطة والحذر قبل اتخاذ قرار مهاجمة أي أحد عبر منابر الإعلام المتنوعة، وذلك لسبب بسيط قد لا يفطن إليه المهاجم كثيراً، إذ لا يمكن القيام بهجوم كاسح ماسح دون ترك ثغرات معينة سينتبه إليها الضحية بعد حين من الدهر، ويتخذها قواعد انطلاق لرد الهجوم ورد الصاع صاعين.
هذا الذي يحدث غالباً في زمن انفتاح العالم على بعضه البعض، وتنوع مصادر الحصول على المعارف والمعلومات، والآراء والمشورات. خذ على هذا أمثلة كثيرة لما يحدث في الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتويتر وغيرهما ، من طرح آراء وتعقيبات وردود على الردود إلى أن يتوقف كلا الطرفين وقد اختلط الحابل بالنابل وخرج أو ابتعد كل طرف عن محور النقاش فلا تجد بعدها الحق وأين كان؟ أو من كان يحمله؟
ليس يعني هذا السكوت عن قول الحق. لا، ليس هذا هو مقصد الحديث، بل إن الهدف الأساس من القيام بأي عملية نقد أو بيان حق ومواجهة ظلم وباطل صادر من شخص ما، أن يكون بالحسنى دون التعرض لذات الشخص أو أهله أو حياته الشخصية.
البعض من المنتقدين حين يدخل نطاق النقد، تجده يهاجم ذوات الأشخاص ويعيب عليهم طبائعهم وعاداتهم، ويتجاهل لب الموضوع، وهو ما يسبب إثارة الضغائن، ويؤدي إلى ضياع الفكرة الأساسية من عملية النقد، فتجد المتابعين وقد تاهوا في الردود والتعقيبات، بل السباب والشتائم.. فيخسر الطرفان ثقة القراء إن كانت المعركة صحافية، أو المشاهدين والمستمعين إن كانت تلفزيونية أو إذاعية.
هذا الموضوع يقودنا إلى أهمية استيعاب بعض مهارات النقد ، والإحاطة ببعض أخلاقيات وأدبيات الخلاف، وهذا محور الحديث في المقال القادم إن شاء الله ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق