من الأوراق المهمة التي ظهرت على الساحة السورية ، ورقة إيران ، وطرحنا بالمقال السابق سؤالاً حول كيفية تعامل الثورة السورية مع هذه الورقة .. ونكمل اليوم ونقول .. إيران لن تدخل حرباً مباشرة مع الغرب، فذكريات حربها الطاحنة مع العراق، تمنعها من أي مغامرات عسكرية مباشرة جديدة، وهي تستعيض عن ذلك بدخول حروب غير مباشرة، كما يحصل الآن في المواجهة مع الغرب عبر سوريا، كواحدة من أوراق إيران المهمة في المنطقة. وقيادة الثورة السورية من مهامها الصعبة التي أراها هي كيفية وصياغة رسالة طمأنة لطهران، مفادها أن مصلحتها مرتبطة ومرهونة بمدى رضى الشارع السوري وليس النظام الحالي. هذا تحد ليس بالسهل.
روسيا ورقة أخرى. هي تريد أن يكون لها أثر ووجود في المنطقة، وتحاول أن تعيد بعض أمجاد الاتحاد السوفييتي السابق، إضافة إلى رغبتها الجادة في أن يكون لها نصيب في المنطقة بعد أن خرجت صفر اليدين من ليبيا وتونس ومصر. إنّ فهم العقلية التي تدير روسيا والقائمة على تغليب المصلحة على أي مبادئ وقيم إنسانية معروفة، سيكون عاملاً مساعداً على كسب الروس إلى جانب الثورة، خاصة إذا ما تم صياغة رسالة واضحة لهم كما الرسالة الموجهة لإيران، وخلاصتها أن مصلحة روسيا في المنطقة عبر كسب الشارع السوري وليس نظامه.
الورقة الأخرى التي تريد أن يكون لها وضعها الدولي متمثلة في الصين . هذه قوة صاعدة وتشعر أن إمكانياتها تجعلها صاحبة صوت في الميدان الدولي يؤثر ولا يتأثر، وتمنعها من أن تكون تابعة أو غير مهتمة، بمسائل النفوذ وتقسيم مناطق المصالح في العالم مع الآخرين الكبار. وقد وجدت الصين نفسها خارج الدائرة في ليبيا ومصر، فلا تريد أن يتكرر الأمر في سوريا أو هكذا يبدو. ومرة أخرى، على قيادة الثورة السورية فهم المزاج الصيني بدقة لتسهل مهمة التعامل معها وسحبها نحو دعم الثورة عبر صياغة الرسالة ذاتها التي ستوجه لروسيا وإيران.
الورقة الرابعة التي تبدو أنها غائبة، وهي الحاضرة، هي إسرائيل. تلك الورقة التي ربما بسببها لا يقدم الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة على حسم أمر التعامل مع النظام السوري، كما هو المأمول وبالسرعة المبتغاة .
إن أمن إسرائيل هو الأولوية رقم واحد ضمن قائمة أولويات الغرب في تعاطيه مع المسألة السورية. وظني أن عدم ظهور البديل المناسب الذي يطمئن إليه الغرب في سوريا، سبب رئيسي لهذا التأخير الحاصل. وأرى أن طرح موضوع إسرائيل والعلاقات المستقبلية معها من جانب قيادة الثورة السورية بشكل يطمئن الغرب إليه، سيكون عنصراً حاسماً في دفع الغرب بالمسألة نحو حسم قريب. وطرح موضوع العلاقة بين سوريا الجديدة وإسرائيل، أمر مهم للغرب، لا بد أن يستوعبه كل من يهتم بنجاح الثورة السورية، مع أهمية عدم فتح المجال لبعثرة أوراق الثورة عبر شعارات مخيفة أو رسائل سلبية تمس دولة إسرائيل، لأن الوقت ليس وقت صراع معها بقدر ما هو مع النظام. وإن ترتيب قيادة الثورة السورية لأولوياتها هو جانب مهم في سرعة الإنجاز وحسم الصراع مع النظام.
خلاصة القول تبدو واضحة الآن بعد حادثة الفيتو الصيني الروسي الأخير ويمكن إيجازها في نقاط على النحو التالي :
- أولاً : قيام الجامعة العربية بمزيد من الإجراءات بمعية غالبية أعضائها من أجل إضعاف سيطرة النظام في سوريا على البلاد.
- ثانياً: ضرورة فهم قيادة الثورة أين تتقاطع مصالحها مع مصالح الولايات المتحدة، وبالتالي التنسيق والتعاون معاً لأجل تحقيق الهدف الأسمى لها وهو تغيير النظام.
- ثالثا: فهم النفسية الروسية والمزاج الصيني، والعمل على كسبهما وإيصال رسالة واضحة مهمة أن مصالحهما مرتبطة بمدى رضى الشارع السوري، وليس نظامه.
- رابعاً: قيادة الثورة مطالبة بإيصال رسالة واضحة إلى الورقة الصعبة في المسألة وهي إيران، خلاصتها كما هي موجهة للروس والصينيين. وفهم السياسة الإيرانية القائمة على البراغماتية خاصة في المنطقة .
- تركيا إضافة إلى السعودية وقطر والإمارات، يقع عليها عبء الثورة بشتى السبل. وهذا يتطلب تنسيقاً عالياً بين قيادة الثورة وقيادات هذه الدول.
- الإعلام له دوره المؤثر، ولاسيما المرئي منه، والتنسيق أمر حيوي من أجل مزيد من الضغوط على النظام السوري، وتعبئة الشعب السوري وبيان الحقائق له وللعالم أجمع، وقناتا الجزيرة والعربية يمكنهما تسخير كل الإمكانيات لتحقيق هذا الهدف.
إن العالم أجمع يتحمل مسؤولية وقف أعمال القتل والإبادة التي يمارسها النظام السوري ضد شعبه الأعزل. ولقد بات تغيير النظام الحاكم في سوريا من المنطق والحكمة، لأنه تخلى عن أهم أعماله الرئيسية وهو الحفاظ على الأرواح والممتلكات وبدعاوى ومبررات غير مقبولة، لا عرفاً ولا قانوناً ولا شرعاً. والوقت عنصر مهم وحاسم في هذه المسألة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق