أطياف

الحياة مدرسة.. أستاذها الزمن ودروسها التجارب

الثلاثاء، 5 مايو 2015

مات حاكمٌ عادل ..

 
   قال المؤرخون في وصف حياته وحبه للعلم والعلماء ، كما جاء في كتاب البداية والنهاية لابن كثير :" .. إن أول ما استبين رشده وحرصه على العلم ، ورغبته في الأدب، أن أباه ولي مصر وهو حديث السن ، فأراد أبوه إخراجه معه إلى مصر من الشام ، فقال : يا أبتِ أو غير ذلك لعله يكون أنفع لي ولك ؟ قال : وما هو ؟ قال: ترحلني إلى المدينة، فأقعد إلى فقهائها ، وأتأدب بآدابهم.. فعند ذلك أرسله أبوه إلى المدينة ، وأرسل معه الخدام ، فقعد مع مشايخ قريش ، وتجنب شبابهم ، وما زال دأبه حتى اشتهر ذكره .

  وقد جاء عن أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أنس بن مالك قال : ما صليتُ وراء إمام أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى - حين كان على المدينة . .

  إنه الخليفة الراشد، عمر بن عبدالعزيز، الذي اعتبره كثير من العلماء أول من أتى على رأس القرن الذهبي للإسلام ، ليجدد للناس دينهم كما بالحديث الشريف : " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها " . فكان عمر هو أولهم، كما يقول ابن الجوزي وغيره :" إن عمر بن عبد العزيز كان على رأس المائة الأولى ، وإن كان هو أولى مَن دخل في ذلك ، وأحق ؛ لإمامته ، وعموم ولايته ، وقيامه ، واجتهاده في تنفيذ الحق ، فقد كانت سيرته شبيهة بسيرة عمر بن الخطاب ، وكان كثيراً ما تشبَّه به " .


وقد جاء في كتب التاريخ أن  عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول - إما بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم له ، أو برؤيا في منامه –  كان يقول :" إنه سيلي من ذريته رجل يعدل بين الناس , أو يملأ الأرض عدلاً " ..  وكيف لا ، وقد جاء في سيرته العطرة العادلة ، أن جاءوا إليه بأموال الزكاة فقال : أنفقوها على الفقراء والمساكين ، فقالوا ما عاد في أمة الإسلام فقراء ولا مساكين، قال: فجهزوا بها الجيوش، قالوا جيش الإسلام يجوب الدنيا . قال : فزوجوا بها الشباب, فقالوا من كان يريد الزواج زُوّج، وبقي مال فقال: اقضوا الديون على المدينين، قضوه وبقي المال. فقال: انظروا في أهل الكتاب، من كان عليه دين فسددوا عنه ، ففعلوا وبقي المال. فقال : أعطوا أهل العلم فأعطوهم وبقي مال. فقال: اشتروا به حباً وانثروه على رؤوس الجبال, لتأكل الطير من خير المسلمين !!


   أبعـد كل هذا تستغرب أن يبكي عليه قيصر الروم حين بلغه موت الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز ؟  وقال فيه ، بعد أن استغرب من حوله من الحاشية : " مات والله رجلٌ عادلٌ ، ليس لعدله مثيل ، وليس ينبغي أن يعجب الناس لراهب ترك الدنيا ليعبد الله في صومعته ، إنما العجبُ لهذا الذي أتته الدنيا حتى أناخت عند قدمه ، فأعرض عنها !!


ليست هناك تعليقات: